للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن هذه الإشارة ليست الوحيدة إلى سبأ والسبئيين في القرآن الكريم، فهناك إشارة أخرى إلى زيارة ملكة سبأ إلى سليمان النبي. ونحن نعرف أن سليمان كان ملك يهوذا وأنه حكم في الشطر الأوسط من القرن العاشر "٩٧٠-٩٣٧ق. م.". ولكن ربما كانت سبأ المقصودة هنا ليست سبأ الموجودة في اليمن، وإنما مدينة سبأ الموجودة في الشمال الغربي لشبه الجزيرة العربية، التي كانت على أرجح وجه إحدى المستوطنات التي أقامها التجار السبئيون على خط القوافل من اليمن إلى سورية. وقد مر بنا أن هذه المدينة مذكورة في سجلات بعض الملوك الآشوريين على أنها إحدى المدن الموجودة في القسم الشمالي من شبه الجزيرة على مقربة من المنطقة السورية. وفي الواقع فإن هذا الافتراض هو الأرجح، وقد يدعمه ما نستخلصه من الآيات القرآنية التي وردت فيها زيارة هذه الملكة إلى سليمان النبي، فبعد مقدمات متوترة بينهما تظهر في لهجة الكتاب الذي أرسله سليمان إليها، وفي اتجاه مستشاري الملكة نحو مقابلة التهديد بالقوة العسكرية، تنتهي الأمور بأن تتخذ الزيارة شكلا وديا بين حاكمين، ومن ثم نستطيع أن نصفها بأنها محاولة منطقية من جانب الملكة السبئية لتحسين علاقاتها بحاكم آخر يبدو أنه كان يحسب حسابه في مجال العلاقات الخارجية، وبخاصة إذا تذكرنا أن مدينة سبأ كانت تحصل على ثروتها من تجارة العبور "الترانزيت" عن طريق القوافل التجارية البرية في المقام الأول، وأن علاقات حسن الجوار تصبح، نتيجة لذلك, أمرا واردا إن لم يكن في الواقع أمرا حيويا بالنسبة لها، وإذا تذكرنا إلى جانب ذلك أن سليمان قد أنشأ أسطولا وأنه كان بسبيل اعتماد سياسة تجارية بحرية عن طريق البحر الأحمر، لا بد أن تؤثر تأثيرا ضارا على نشاط الخط التجاري البري، سواء بحكم طبيعة الأشياء، أو بضغوط مقصودة من جانب سليمان نفسه تعرقل الخط التجاري البري لصالح خطه البحري. كذلك مما يدل على أن إشارة القرآن الكريم إلى سبأ الشمالية وليست إلى سبأ الجنوبية أن سجلات الملوك في العربية الجنوبية، سواء من السبئيين أو غير السبئيين لا

<<  <   >  >>