أما عن بعض الممارسات التي تمت في داخل هذا المحيط الديني، فيعطينا القرآن الكريم مثلًا لها مما دار في منطقة الأخدود التي كانت في منطقة اليمن قديما "الآن في نجران في القسم الجنوبي الغربي من المملكة السعودية" حيث يشير إلى اضطهاد ديني عنيف أُحْرِق فيه عدد من الناس أحياء بسبب تمسكهم بعقديتهم. وتتوقف الإشارة القرآنية عند وصف هؤلاء بأنهم مؤمنون دون أن تفصل في التعريف بعقيدتهم وبالأسباب التي أدت إلى إحراقهم, ربما لأن الحادثة كانت أشهر من أن تعرف عند قيام الدعوة الإسلامية وبخاصة إذا أدخلنا في اعتبارنا أن اضطهادا بهذا العنف كانت أخباره تنتقل بالضرورة مع القوافل التجارية التي تمر بالمنطقة جيئة وذهابا بصفة مستمرة. ومثل هذه الإشارة السريعة نجدها كذلك في الحديث عن "أصحاب الفيل" دون ذكر لمن قام بها أو للدوافع التي أدت إلى القيام بها. ربما لأنها كانت لا تزال ماثلة في الأذهان, إذ لم يكن قد مر عليها عند نزول الرسالة أكثر من أربعين عاما أو نحو ذلك ومعنى هذا أن عددا من الذين عاصروا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا شهودا عيانا لها. ونحن نستكمل من مصادر أخرى أن حادثة الأخدود كان
= الشعراء: ١٢٤, ١٤٧-١٨٤. عن الصناعة كدعامة اقتصادية لعاد الأولى، سورة الشعراء: ١٢٩. عن الإشارة إلى ممارسة صهر المعادن لصناعة الحلي وغيرها، الرعد: ١٧. عن احتمال أن تكون الإشارة إلى معدن الذهب، راجع الباب الثامن الخاص بالحياة الاقتصادية من هذه الدراسة. عن الدعاية الاقتصادية التجارية لهؤلاء الأقوام، موقع عاد الأولى في منطقة الأحقاف، سورة الأحقاف ٤٦: ٢١ على طريق الخط التجاري إلى الخليج ووادي الرافدين، موقع ثمود على الخط التجاري بين اليمن والشام كما تدل على ذلك الإشارة إلى البيوت المنحوتة في الجبال "مدائن صالح الحالية" سورة الشعراء: ١٤٩، كذلك الإشارة إلى أهل الحجر "وهي مدينة في المنطقة ذاتها - الوجه حاليا"، سورة الحجر: ٨٠، الحكم الطبقي الأرستقراطي نستنتجه من مستوى المعيشة "حياة القصور" في سورة الأعراف: ٧٤. كذلك عاد وثمود ضمن أقوام أخرى في سورة الحج: ٤٥، كما نستنتجه من صفات الطبقات المعارضة للدعوات، مثل البطش، الشعراء: ١٣٠, والطغيان، الفجر: ٩، والاستكبار، فصلت: ١٥، والجبروت، هود: ٥٩.