لإخراج الرسول -صلى الله عليه وسلم- منها إخراج العزيز للذليل حسب تصورهم آنذاك. كذلك نجد في داخل المدينة عددًا من مروجي الإشاعات ضد الدعوة الجديدة أو "المرجفين" حسبما يسميهم القرآن الكريم وعددًا من المنافقين الذين لم يتخلصوا بعد من روابط العصر الذي يمر بلحظاته الأخيرة ولكنهم لا يجرءون على معاداة التيار الصاعد الجديد. ثم هناك الذين انضموا إلى الدعوة الجديدة ولكن ليست لديهم الشجاعة الكافية لتحمل المصاعب أو المخاطر التي يستتبعها هذا التحول الذي أقدموا عليه، ربما باقتناع غير كامل، ومن هنا فهم يتعللون أمام صاحب الدعوة الجديدة بخوفهم على بيوتهم وأسرهم. وهكذا يمضي الوصف لنجد فيه تصويرا مجسدا للحظة تاريخية معاصرة للوقت الذي نزل فيه القرآن الكريم يمر بها مجتمع يعيش منعطف تحول كبير تلتقي عنده نهاية عصر وبداية عصر٢٠.
ثم أنقل الحديث إلى الإشارت القرآنية التي تتصل بالشق الآخر من سكان شبه الجزيرة العربية، هؤلاء هم الأعراب الذين لا يقيمون في المدن بشكل أساسي، وإنما تكون إقامتهم في البادية أو حول المدن. هكذا تذكر لنا هذه الإشارات، كما تلقى ضوءًا, على نفسية هؤلاء الأعراب وعلى تصرفاتهم ودوافعهم، فهم لا "يؤمنون" أو يرتبطون بقيم ثابتة، وإنما صفتهم الأساسية هي "الكفر" بهذه القيم أو على أقل تقدير مجاراتها عن "نفاق" وسوء نية فيقولون "بألسنتهم ما ليس في قلوبهم" وهم ينشغلون عن هذه القيم الثابتة بالمصالح المادية التي تمثلها "أموالهم وأهلوهم". كذلك فهم قوم لا يحفظون عهدا ولا يُركن إلى وعد قطعوه على أنفسهم ولا يرون بأسا في أن "يقولوا" أو يتخلوا في اللحظة الحاسمة عمن يعتمد عليهم، أما أسلم طريق للتعامل
٢٠ عن النفاق والمنافقين، سورة التوبة: ١٠١، ١٢٠. عن الشائعات، الأحزاب: ٦٠. عن الصراع داخل المدينة، المنافقون: ٨. عن التوتر والخوف ومحاولات الفرار: الأحزاب:١٣.