للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تضمن، إلى جانب هذه الأحكام والقوانين، قدرًا من أخبار الجاهليين. كذلك فنحن نستطيع أن نستنتج بشكل مباشر أو غير مباشر بعض ممارسات المجتمع الجاهلي من خلال التعاليم التي تتضمنها هذه الأحاديث النبوية.

وعلى سبيل المثال فقد جاء في أحد الأحاديث: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" , قيل: يا رسول الله, أنصره مظلومًا فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: "بأن تنهاه عن ظلمه" والحديث في محاولة لتغيير مفاهيم المجتمع الجاهلي، يشير إشارة مباشرة إلى العصبية العشائرية أو القبلية التي كانت تحكم هذا المجتمع والتي نراها في كثير مما وصلنا من أشعار الجاهليين. وعلى سبيل مثال آخر فقد جاء في أحد الأحاديث: "إخوانكم خولكم, فأطعموهم مما طعمتم وألبسوهم مما لبستم" وفي الحديث حض صريح لحسن معاملة الخدم، الذين كانوا في أغلب الأحوال عبيدا. ونحن نستطيع أن نستنتج منه سوء معاملة هذه الطبقة ومن ثم نعرف شيئا عن العلاقات الطبقية في المجتمع الجاهلي القريب من الإسلام، وهي علاقات يذكرها القرآن الكريم، فيما يخص طبقة العبيد, في أكثر من آية ويشير إلى ما كانت تتسم به من قسوة وتسلط٢٤.

على أن هناك عدة اعتبارت ينبغي أن ندخلها في حسابنا ونحن نعتمد على الحديث كمصدر لتاريخ المجتمع العربي في الفترة السابقة للإسلام, وأول هذه الاعتبارات يتعلق بطريقة انتقاله إلينا، فالحديث ظل ينتقل بالرواية الشفوية على امتداد قرنين كاملين حتى جمع ودون على عهد عمر بن عبد العزيز في أواخر القرن الثاني الهجري, وهو أمر قد يؤدي إلى شيء من الزيادة أو


٢٤ عن شعر الجاهلية في مجال العصبية القبلية والعشائرية، على سبيل المثال, دريد بن الصمة "توفي حوالي ٦٣٠م":
وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وأن ترشد غزية أرشد
كذلك عمرو بن كلثوم "القرن السادس م" في المعلقة:
ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ... ويشرب غيرنا كدرًا وطينَا
عن سوء معاملة العبيد في العصر الجاهلي كما يصورها القرآن الكريم، البقرة: ١٧٧، النساء: ٣٦، التوبة: ٦٠.

<<  <   >  >>