للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النقصان في هذه الأحاديث أو إلى التغيير في بعض ألفاظها مما قد يستتبع تغييرًا في المعنى المحدد المقصود منها, وهذا على عكس ما حدث في حالة القرآن الكريم الذي كانت آياته وسوره، كما رأينا في مناسبة سابقة، تسجل عند نزولها مما لا يدفع مجالا لأي تغيير فيها، وحتى إذا كان رواة الحديث ثقاتٍ فإن هذا وحده لا يكفي، فالحديث ليس رواية فحسب ولكنه، حسبما يؤكد المتخصصون فيه، "رواية ودراية"، أي أن الذي يروي الحديث لا يكفي أن يكون صادقا وحريصا في روايته فحسب، بل ينبغي كذلك أن يكون على علم بالأحاديث المروية سواء فيما يخص معناها أو ألفاظها أو الملابسات التي قيلت فيها والغرض المقصود منها يوم قولها، فالحديث قد يكون صحيحا وثابتا وقاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعلا، ولكنه منسوخ، أي أبطل العمل به في عهد الرسول نفسه٢٥. وحتى لو افترضنا أن بعض الأحاديث قد دونت فعلا قبل عهد عمر بن عبد العزيز، وهو أمر وارد إذا أدخلنا في اعتبارنا أن المجتمع الإسلامي الأول كان على معرفة بالكتابة وأدواتها، مهما ضاق نطاق هذه المعرفة، فإن هذا لا يغير من الأمر شيئا فيما يخص الدراية بالأحاديث عامة وفيما يتعلق بالأحاديث المنسوخة بوجه خاص. كذلك يجب أن ندخل في اعتبارنا أن الفترة التي سبقت جمع الحديث وتدوينه، وهي التي تمتد عبر القرنين الأول والثاني للهجرة، كانت فترة مشحونة بالتيارات والنزاعات السياسية التي قد تتداخل أحيانا مع اعتبارات دينية، ومن ثم يصبح نحل بعض الأحاديث من قبل فئة أو أخرى أمرا واردا في سبيل تبرير موقف أو دحض موقف مضاد٢٦.

وقد كان هذا دون شك هو الذي أدى إلى شيء من الاختلاف بدرجات


٢٥ قواعد التحديث لجمال الدين القاسمي "دمشق ١٣٥٣هـ" صفحات ٥١-٥٣؛ مصطلح الحديث لعبد الغني محمود "مصر، ط٢، ١٣٣١هـ -١٩١٣م" صفحات ٢-٥، مقتبس في، عمر فروخ: تاريخ الجاهلية، بيروت ١٩٦٤، ص٩ وحاشية ١.
٢٦ السيد عبد العزيز سالم: تاريخ العرب في العصر الجاهلي، بيروت، ١٩٧٠، ص٢٠.

<<  <   >  >>