الرواية الشفهية التي مرت بها أحكام التلمود "وربما بعض أسفار التوراة" قبل أن تدون، لا بد أن ندخلها في اعتبارنا ونحن نعتمد على ما جاء بهما من أخبار ونقارنها بالمصادر الأخرى. وأخيرا فإن كلمة "العرب" في التوراة والتلمود تعني البدو أو عرب الصحراء أساسا وحتى حين يرد داخل المدن فإن المقصود بهم في هذه الحال هو البدو الذين نزحوا إلى هذه المدينة لسبب أو لآخر، أما سكان الحضر من شبه الجزيرة العربية فإن هذين المصدرين يشيران إليهما كأهل هذه المنطقة أو تلك كأن يقال:"أهل سبأ" أو "سكان أرض تيماء" أو "الدادانيون""وهم سكان منطقة العلا الحالية بشمالي غربي شبه الجزيرة"، أو كأن ينسب شخص إلا مدينة "هجر""وهي التي ترد باسم "الحجر" في القرآن الكريم ومكانها ميناء الوجه حاليا قرب مدينة العلا أو مدائن صالح" على سبيل المثال٢٨.
وسأقدم في السطور التالية بعضا من الجوانب التي اشتملت عليها حياة سكان شبه الجزيرة العربية كما تصورها التوراة والتلمود وكيف نحاول أن نستكمل صورتها التاريخية. وأول هذه الجوانب يخص المناطق شبه الصحراوية
٢٨ عند تدوين بعض أسفار التوراة بعد فترة رواية شفهية قد تصل إلى قرنين أو ثلاثة قرون وما يترتب على ذلك من تداخل في الأحداث من الناحية الزمنية قد يصل إلى قرن كامل راجع التداخل بين الأسماء الواردة في سفر عزرا: الإصحاح الثاني "في صدد العودة من السبي" وتلك الموجودة في سفر نحيما: الإصحاح السابع. عن تفصيل التداخل راجع، نجيب ميخائيل إبراهيم: مصر والشرق الأدنى القديم، ط١، ج٣ "سورية"، الأسكندرية، ١٩٥٩، ص٣١٢. كذلك قصة سبأ وزيارتها لسليمان "راجع أدناه في هذا الباب" دونت بعد تداولها شفهيا بعدة قرون، راجع، جواد علي: ذاته، ج١، ص٦٣٦، أرض العرب في التوراة يقصد بها الصحراء راجع، نبوءة أشعيا، إصحاح ٣٣: ٩؛ نبوءة أرميا، إصحاح ٥٠: ١٢، و٥١: ٤٣, وفيهما ترد تسمية "مساها عرب" بهذا المعنى. عن سكان عرب من الحضر لا يوصفون بوصف "عرب" وإنما ينسبون إلى مواطن إقامتهم راجع عن أهل سبأ: نبوءة يوئيل, الإصحاح٣: ٨ عن الدادانيين، نبوءة أشعيا، ١٢: ١٣ عن سكان أرض تيماء ذاته: ٢١: ١٤, عن يازبز الهجري، سفر أخبار الملوك الأول، ٢٨: ٣٠.