للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكلاسيكيين يرجع, كما أسلفت، إلى أواسط القرن الخامس ق. م. ونجده عند المؤرخ اليوناني هيرودوتوس herodotus الملقب بأبي التاريخ أو شيخ التاريخ٢. وهيرودوتوس لا يقصر تسمية بلاد العرب arabia على شبه الجزيرة العربية، ولكنه يطلقها، إلى جانب شبه الجزيرة، على كل القسم الداخلي من سورية "بادية الشام" وعلى شبه جزيرة سيناء وصحراء مصر الشرقية التي تقع بين النيل والسواحل الغربية للبحر الأحمر والتي تعرف أحيانا باسم صحراء العرب٣. ولكن ليس من العسير على الباحث أن يدرك أن هذا المؤرخ يتحدث عن شبه الجزيرة حين ينصب حديثه عليها بالتخصيص وهو أمر ندركه حين يقول, على سبيل المثال: إن بلاد العرب هي أقصى البلاد المعمورة في العالم نحو الجنوب٤, أو حين يقول على سبيل مثال آخر: إن أريج الطيوب يملأ جو هذه البلاد٥. كذلك فإن حديثه عن


٢ كان هذا أول مؤشر لاهتمام الغرب بالمنطقة بعد أول احتكاك كبير بين اليونان والعالم الشرقي ممثلا في الصدام مع الإمبراطورية الفارسية في ٤٩٠ و٤٨٠ق. م. وهو صدام اعتبره اليونان مسألة بقاء أو فناء بالنسبة لهم، "وقد ظهرت فيه وحدات عسكرية عربية ضمن القوات الفارسية" ثم في أواسط القرن في ٤٥٩ و٤٤٨ ق. م. ولا بد أن يكون هذا قد أثار اليونانيين وبخاصة المثقفين منهم "وقد شهدت فترة أواسط القرن الخامس تزايدا كبيرا في هذه الفئة" رغبة واضحة في التعرف على هذا العالم الشرقي واستكناه هويته, وهو معنى يؤكد عليه هيرودوتس سواء في العنوان الذي أعطاه لدراسته والذي اختار له لفظة "تحقيقات" historiae أو في السطور الأولى التي استهل بها هذه الدراسة.
٣ بلاد العرب بمعنى سيناء historiae II, بمعنى الصحراء الشرقية II,٧٥, بمعنى بادية الشام III, ٥ , ٧, ٩, بمعنى المنطقة بين وادي الرافدين وخليج السويس II,٣٩.
٤ III, ١٠٧.
٥ III, ١١٣.

<<  <   >  >>