للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كانت بعض هذه الأوصاف يمكن تسبيبها، مثل شن العرب للحرب فيما بينهم، بما شاهده المؤرخ من صراع بين الغساسنة والمناذرة. فإن الحديث لا يبدو مقنعًا في إنكار قدرة العرب على اقتحام المدن ووصف البرابرة الذي أطلقه على العرب وبخاصة إذا تذكرنا أن المؤرخ عاش في القرن السادس الميلادي وهو القرن الذي عرفت فيه إمارة الغساسنة وإمارة اللخميين في الحيرة قدرا ملموسا من التقدم في النواحي المعمارية والدينية والثقافية عموما من جهة، ومن جهة أخرى فهو القرن السابق مباشرة لظهور الدعوة الإسلامية التي كانت نقطة التفجير للتوحيد السياسي والديني لشبه الجزيرة العربية وللفتوحات العربية التي سقطت أمامها الإمبراطورية الفارسية وقسم كبير من الإمبراطورية البيزنطية. وفي هذا الصدد فإن حديث المؤرخ وملاحظاته عن العرب يبدو متناقضًا مع هذه الإنجازات التي أرى أن بوادرها لا بد أن تكون واردة في القرن السادس الذي عاش فيه وهو القرن السابق مباشرة لهذه الإنجازات, وهو تناقض إما أن نرده إلى تحامل أو تعالٍ من المؤرخ أو إلى تقصير في فهم أو تفسير ما كان يدور حوله من أحداث وتيارات.


= من يوصفون بهذه الصفة، وإنما كانت الصفة تعني بوجه عام من هم غير اليونان ومن ثم يتحدثون بلغة لا يفهمها هؤلاء "وقد كانت الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وهي الإمبراطورية البيزنطية يونانية الحضارة" على نحو تسمية العرب للفرس بالعجم لأنهم لا يتكلمون العربية ومن ثم فهم، في تصور العرب، لا يتكلمون الكلام الجدير بهذا الوصف. وفي هذا الصدد نجد بروكوبيوس يصف المنذر بن ماء السماء بأنه "ذلك البربري "I, ١٧:٤٣" رغم أنه يكرس عدة فقرات طويلة يتحدث فيها عن عظمته كقائد وعن خططه الحربية التي كانت قوات الإمبراطورية البيزنطية ترهبها ولا تستطيع التصدي لها "I, ١٧:٤٠-٨" بل إنه يصفه مرة بأنه "أجبر الدولة الرومانية على أن تجثو على ركبتيها على مدى خمسين عامًا" "I, ١٧:٤٠", ومرة بأنه "أثبت أنه أصعب وأخطر عدو للرومان" "٥, ١٧:٤٥".

<<  <   >  >>