إذا أضفنا إلى ذلك أن كتاب العرب في العصر الإسلامي لم يقتصروا على التأريخ للعرب منذ ظهورهم على مسرح الأحداث التاريخية كقوم لهم هويتهم الخاصة في القرن العاشر ق. م. بل تخطوا ذلك إيغالًا في الماضي ليتحدثوا عن العرب منذ عهد سام بن نوح الذي ذكروا أن العرب ينتسبون إليه, أي: إنهم دفعوا بالحديث في أغوار الماضي إلى عهود أقل ما توصف به أن من يتناولها لا يعرف في الحقيقة شيئا عنها. وهذه المحاولة من جانب كتاب العصر الإسلامي لا تنحصر في كاتب أو كاتبين، بل نجدها عندهم جميعًا، ابتداء من عبيد بن شرية في أواسط القرن الأول الهجري "أواخر القرن السابع الميلادي" إلى ابن خلدون الذي توفي في أوائل القرن التاسع الهجري "أوائل القرن الخامس عشر الميلادي".
وفي الواقع فإن هذا الكاتب الأخير، الذي اشتهر بمذهبه النقدي، يبدي شيئًا من التردد في قبول هذا الاتجاه عند المؤرخين الإسلاميين، وبخاصة فيما يتعلق بتتبع أنساب العرب من جيل إلى الجيل الذي يسبقه, توصلًا في النهاية إلى بدايات ضاربة في أعماق الماضي، لتشككه في إمكان التوصل في معرفة الأنساب القديمة، كما يبدي تشككه كذلك في صحة الأخبار المتعلقة بالعصور العربية الأولى كما رواها من سبقه من الكتاب. ولكنه رغم ذلك يلخص كل ما ورد من هذه الأخبار القديمة ويحاول أن يرجح بعضها على بعض, كما يقدم لنا تنسيبًا مفصَّلًا للعرب يرتفع بأحد شقيهم إلى قحطان ويرتفع بالآخر إلى عدنان٣٥. وهكذا لا يستطيع ابن خلدون، رغم مذهبه النقدي، أن يتخلص من وطأة الاتجاه الذي تصدى له فتنغمر ملاحظاته، حسب تعبير باحث معاصر "وسط سيل الأخبار المتضاربة، ويظهر تأريخه
٣٥ ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر، القاهرة، ١٩٦٥, ج٢، عن تشككه في الأنساب صفحات ٣-٤, عن تشككه في الروايات القديمة ص٨، عن أنساب العرب عنده رغم ذلك ص٤٩، وص٣٠٤.