للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسبب ترددنا في الثقة بمصادره هو أن أعدادًا كبيرة من النصوص العربية الجنوبية تزيد على أربعة آلاف نص قسم قد تم العثور عليها وقراءتها حتى الآن، ولكن ليس بينها نص واحد مكتوب باللغة العربية الفصيحة وليس بينها نص واحد مكتوب بالشعر. وحقيقة إن اللغة العربية الشمالية ربما كانت معروفة في الجنوب في الفترة الجاهلية القريبة من ظهور الإسلام كلغة عامة في المعاملات التجارية والمباريات الشعرية التي يشترك فيها أشخاص من مختلف أنحاء شبه الجزيرة إلى أشخاص اللغات أو اللهجات المحلية٤١، ولكن ليس هناك ما يدعو إلى استخدام هذه اللغة العامة في كتابة نقش رسمى محلي مثل النص الذي نتحدث عنه. ويبقى أمامنا في هذا الصدد الافتراضات: فإما ألا يكون الهمداني على معرفة بالخط المسند وأنه كان يعرف هذه النقوش مما يسمعه عنها فحسب، أو أنه كان يعرف الخط المسند ثم يتصرف في ترجمته تصرفا يجعله يصوغ هذه الترجمة نثرا مسجوعا أو شعرا في بعض الأحيان، بما يستتبعه هذا بالضرورة من الابتعاد، بنسب متفاوتة، عن المضمون الأساسي للنص، ومن ثم يضعف من قيمته كمصدر تاريخي.

وفي الواقع فإن القارئ لأخبار العرب الجاهليين في كتابات العصر الإسلامي، وبخاصة الأخبار التي تروي أحداثًا أو مواقفَ تسبق ظهور الإسلام بفترة طويلة، لا بد أن يسترعي انتباهه أسلوب القصص الشعبي الذي يسود هذه الكتابات، وهو أسلوب يصل إلى نغمة الحديث الأسطوري كلما أوغل هؤلاء الكتاب في الحديث عن الماضي حتى وصلوا إلى آدم -عليه السلام- أبي الإنسانية. وهذا الأسلوب القصصي يعترف به ضمنًا عبيد بن شرية، أول الأخباريين العرب, في روايته عن أخباره التي كان يسامر بها معاوية بن أبي سفيان كل ليلة، إذ يبدو أن الصفة الأساسية لهذه الأخبار هي أن تكون


٤١ راجع الباب السابع الخاص بالشعر الجاهلي "كمصدر لتاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام" في هذه الدراسة.

<<  <   >  >>