آسيا الصغرى وإلى المنطقة السورية, ومن المنطقة السورية تمتد طريق برية ساحلية إلى مصر. بينما تخترق شبه الجزيرة العربية عدة طرق، إحداها من اليمن إلى سورية عن طريق مكة، وأخرى من اليمن إلى وادي الرافدين عن طريق نجد والمنطقة الشمالية الشرقية لشبه الجزيرة, وثالثة بين اليمن والمنطقة الشرقية وهكذا. وقد ظهرت آثار هذا الاتصال السهل بشكل واضح في العصور التاريخية في هذه المنطقة سواء من حيث التأثيرات الفنية والأدبية والفكرية والدينية بين أنحاء المنطقة أو من حيث النزاعات العسكرية والعلاقات والاحتكاكات السياسية، ولكن ما يهمنا الآن فيما يخص الخطوات الحضارية الأولى لسكان هذه المنطقة، هو أن التجارب والإنجازات الأولى سواء من ناحية استخدام المعادن وأنواع الأحجار التي قد تتوفر في قسم المنطقة دون قسم آخر أو تنظيم المجموعات البشرية الأولى على هيئة مجتمعات قروية أو طرز الأدوات التي كانوا يستخدمونها أو الأساطير التي كانت تمثل محاولة تغلب الإنسان البدائي على أسرار الكون المحيطة به -كل هذه التجارب كان تبادلها، تأثرا وتأثيرا, أمرًا واضحًا في علاقات المجتمعات التي قامت في المنطقة؛ نتيجة لسهولة هذه المواصلات البرية بين أرجائها.
وكما أسلفت، لم تكن هذه المواصلات البرية هي التي تفردت بهذه السهولة، وإنما كانت البحار كذلك عاملًا أسهم إلى حد كبير في هذه السهولة. فالبحر المتوسط، في حقيقة أمره يشكل استمرارًا نحو الغرب لهذه المواصلات السهلة. والبحر المتوسط له ميزات تجعله من أنسب طرق الاتصال المائية التي تشجع الإنسان الأول وتساعده على الحركة والانتقال. وأول هذه الميزات أنه بحر هادئ إلى حد كبير، بل هو في الواقع يكاد يكون بحيرة مغلقة إذا استثنينا المضيق الموجود عند طرفه الغربي والذي أصبح يعرف منذ الفتح العربي باسم مضيق جبل طارق, ومضايق البسفور والدردنيل الواقعة عند طرفه الشرقي، وحتى هذه توصِّل إق بحر مغلق هو البحر الأسود, ومثل هذا الهدوء يعتبر