للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انتصار أو انكسار واحدة أو الأخرى من هاتين القوتين أمرًا له قيمة في حياة قريش. وقد جاءت في القرآن إشارة تفيد هذا المعنى وتشير إلى العلاقة بين الفرس والروم وإلى رحلة الشتاء والصيف. وإحدى هاتين الرحلتين كانت إلى الشام حيث الروم والأخرى إلى اليمن حيث الحبش، ومع ذلك فإن شيئا من هذه الحياة التي يظهر فيها الاهتمام بمجريات الأمور السياسة لا يظهر في الشعر الجاهلي١٢.

أما عن الحياة الاقتصادية فيلاحظ الدكتور طه أن القرآن يقسم عرب الجاهلية إلى قسمين: هما الأثرياء المتعنتون الذين روجوا الربا ومنعوا الصدقة جشعًا وبخلًا, والمعدمون المستضعفون الذين لا يملكون أمام هؤلاء شيئًا, والصراع بين هاتين الطبقتين يصبح من ثم شيئا واردا أو على الأقل تصبح المعاناة من الطبقة المعدمة تصبح ظاهرة محسوسة، ومع ذلك فالشعر الجاهلي يقف من كل هذا موقفا صامتًا مع أن المعاناة التي يتمخص عنها مثل هذا الصراع هي موضوع الشاعر في المقام الأول. ومع ذلك فإننا لا نرى شيئا من هذا في الشعر الجاهلي١٣، بل لا نرى إلا حديثًا عن الكرم لدرجة التبذير مع أن البخل كان موجودًا وهو وارد على الأقل إلى جانب الكرم. وأخيرًا فموقف الشعر الجاهلي يكرر نفسه فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية للعرب في الجاهلية. وهنا يلاحظ الكاتب أن هذا الشعر لا يعني إلا بحياة البادية وعلاقاتها ولا يكاد يذكر حياة البحر، فإذا ذكرها فهو ذكر الجاهل الذي لا يكاد يعرف عنها شيئًا. ومع ذلك فإن القرآن يمنُّ على العرب بأن سخر لهم البحر وجعل لهم فيه منافع كثيرة١٤.

وهكذا يؤكد طه حسين أن الشعر الجاهلي لم يكن له وجود وأنه من


١٢ المرجع ذاته: صفحات ٨٢-٨٣.
١٣ المرجع ذاته: صفحات ٨٤-٨٥.
١٤ المرجع ذاته: ص٨٧.

<<  <   >  >>