للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشعر الجاهلي" الذي أعاد طبعه تحت عنوان "في الأدب الجاهلي". ويوافق الدكتور طه حسين على ما قدمه الأستاذ مارجوليوث من أدلة واستنتاجات ويساندها بمزيد من التفصيلات ثم يضيف إليها شواهد جديدة تدعم شكه في وجود شعر جاهلي، وهو شك يكاد يصل عنده إلى نفي وجود هذا الشعر الجاهلي.

وأهم هذه الشواهد الجديدة أن الشعر الجاهلي "المفترض في رأيه" لا يمثل الحياة الدينية أو العقلية أو السياسية أو الاقتصادية عند عرب الجاهلية. فمن الناحية الدينية يلاحظ الكاتب الكبير أن الشعر الجاهلي لا يكاد يتطرق إلى حياة دينية تبين عقائد الجاهليين واعتزازهم أو تمسكهم بها, ومع ذلك فالقرآن الكريم يشير إلى حياة دينية قوية عند هؤلاء القوم، وهي حياة يتشبثون بها، ويدعوهم تشبثهم هذا، حسبما نقرأ في عديد من الآيات القرآنية، إلى أن يجادلوا عنها، فإذا لم يغنهم الجدل لجئوا إلى الكيد للرسول -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه ثم إلى اضطهادهم، وقريش لا يمكن أن تفعل هذا بأبنائها لو لم يكن لها من الدين إلا ما يمثله هذا الشعر الذي ينسب إلى الجاهليين١٠.

كذلك فإن هذا الجدل ذاته التي تفننت فيه قريش إبرازًا لحججها وتحدياتها الفكرية يمثل ذكاء وحياة عقلية متقدمة لا يمكن أن توجد لديهم إذا كانوا على ما يظهره لنا الشعر الجاهلي من غلظة وجفاء١١. والتناقض ذاته نجده فيما يتصل بالحياة السياسية عند الجاهليين, لقد كانت العلاقات الدولية بين الفرس والبيزنطيين "الروم" تحيط بهم وتؤثر عليهم ويهمهم تتبعها فيما يتعلق بتجارتهم مع بلاد الشام التي كانت تحت حكم البيزنطيين ومن ثم كان


١٠ طه حسين: في الأدب الجاهلي، ط. دار المعارف، القاهرة، ط٤، ص٨٠.
١١ المرجع ذاته: ص٨١.

<<  <   >  >>