للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكريم، وليس مصدرا آخر غيره، وإذن فهو شعر وضع بعد الإسلام وليس شعرا قيل قبل الإسلام٨.

أما على صعيد اللغة التي صِيغ بها الشعر الذي يفترض أن يكون جاهليا, فإن مارجوليوث يذكر أن الشعر الجاهلي كله ورد بلغة واحدة هي لغة القرآن الكريم وهو يجد صعوبة في التوفيق بين هذه الظاهرة وبين ظاهرة أخرى وهي الاختلاف بين لغة القبائل الشمالية في مجموعها وبين اللغة الحِمْيَرِيَّة في الجنوب، ثم الاختلاف بين لهجات القبائل فيما بينها، كذلك يجد من الصعب أن نتصور وجود لغة واحدة مشتركة بين العرب في الجاهلية، فظهور الإسلام ونزول كتابه باللهجة التي نزل بها من لهجات الشمال العربي هو الذي وَحَّد العرب وكان أحد مظاهر هذه الوحدة هو الالتفاف حول لغة القرآن الكريم ويدعم المستشرق دعواه في هذا المجال فيقول: إنه لو كنا نبحث في وثائق نثرية "وليس في قصائد شعر" جاءت بلغة عربية واحدة "رغم اختلاف اللغات واللهجات في شبه جزيرة العرب قبل الإسلام" لقلنا: إنها إما ترجمت إلى اللغة الجديدة الموحدة أو إنها تدرجت من طور إلى طور آخر. ولكن الشعر فيه من الوزن والصنعة الفنية المعقدة ما يجعل ترجمته إلى لغة جديدة أو انتقاله من طور لغوي إلى طور آخر، مع محافظته على وزنه وعلى صنعته الفنية، أمرا مستحيلا٩.

هذه هي الدلائل التي ساقها مارجوليوث في كتاباته ليخلص منها إلى أن الشعر الجاهلي الذي بين أيدينا لا ينتمي في الحقيقة إلى العصر الجاهلي, وإنما نحله الرواة في القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة ثم نسبوه إلى أسماء جاهلية. وقد عضد هذا الافتراض عالم عربي هو الدكتور طه حسين في كتابه "في


٨ المرجع ذاته: صفحات ٤٣٤-٤٣٧، عن الإشارة القرآنية إلى أمانة نوح -عليه السلام- راجع حاشية ٢٣ أدناه.
٩ المرجع ذاته: ٤٤٠-٤٤٢.

<<  <   >  >>