المنسوب إلى الجاهلية، فإن هذا الوزن يفترض مقدمًا أن يكون الشعر الجاهلي تاليًا لنزول القرآن وليس سابقا له كما يجب أن يكون. والسبب في ذلك أن تطور الفن الأدبي يسير من غير المنتظم إلى المنتظم، أي: يسير من النثر العادي، إلى نثر يظهر فيه السجع وشيء من الوزن ثم إلى الشعر الموزون وزنا كاملا. ونحن نرى أن القرآن الكريم فيه كثير من السجع وفيه قدر ظاهر من الوزن، ولكنه لا يصل إلى مرحلة الوزن الكامل، ومن هنا يصبح في افتراض وجود شعر جاهلي قبل نزول القرآن الكريم تناقضٌ مع تطور الفن الأدبي. ويدعم المستشرق دليله هذا بدليل آخر من حيث إن الوزن يمثل الموسيقى الشعرية فيذكر أن القرآن لم يذكر الموسيقى من مستحدثات العصر الأموي، ومن ثم فمن الصعب أن نتصور وجود شعر جاهلي بهذا الانتظام والتنوع في إيقاعه الموسيقي الذي يمثله وزن الشعر٧.
وعلى صعيد المعاني التي تناولها الشعر الجاهلي، فإن في بعض قصائده إشارات إلى القصص الديني مثل وصف نوح بالأمانة، واستعمالات لغوية إسلامية مثل: الحياة الدنيا ويوم القيامة ويوم الحشر والركوع والسجود ومثل هذه الإشارات لم تكن معروفة بين الجاهليين، كما أن مثل هذه الاستعمالات لم تكن شائعة أو ربما لم يكن بعضها معروفا في مجتمعهم. كذلك لا توجد في أشعار المسيحيين من شعراء الجاهلية أو من كانوا على صلة ببلاط الملوك المسيحيين "مثل ملوك الغساسنة" إشارات إلى الكتاب المقدس عند المسيحيين أو إلى تعاليم المسيحية إلا فيما ندر. وأخيرًا فإن القَسَم الذي يرد في هذه الأشعار هو دائما بالله على نمط ما جاء في القرآن الكريم، كما أن ترديد أي صدى من جانب هؤلاء الشعراء لكتاب مقدس، إنما هو ترديد لصدى القرآن