للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن علماء العرب في القرنين الثاني والثالث الهجريين ممن ذكروا الشعر الجاهلي أو قاموا على روايته فهم إما الإخباريون وهؤلاء لا يعتمد على ما ذكروه من شعر؛ إذ إن بعضهم أورد شعرًا لآدم بينما عزا البعض الآخر شعرًا غنائيًّا لإسماعيل وكلا الأمرين غير معقول، وإما الرواة من أمثال حمَّاد وجناد وخلف الأحمر وأبي عمرو بن العلاء والأصمعي وأبي عمرو الشيباني وابن إسحاق "صاحب السيرة" والمبرِّد، وهؤلاء لا يطمئن المستشرق إليهم لسببين رئيسيين: أولهما أن هؤلاء العلماء كان بعضهم يشكك في أمانة البعض الآخر في الرواية, ومثل هذه الاتهامات لا تجعلنا نعرف أين الشعر المنحول وأين الشعر الصحيح "إذا كان ثمة شعر جاهلي". والسبب الثاني هو أنه على فرض أن بعض ما رواه هؤلاء الرواة شعر صحيح أو يعتقدون أنه شعر صحيح فأين مصدره؟ لقد كان الإسلام متشددًا مع الوثنية تشددًا لا يعرف التهاون أو الكَلَل وقد ناصبها العداء بشكل انتهى إلى حروب أهلية سافرة سواء في أثناء الدعوة "غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو بعد الدعوة "حرب الردة" داخل شبه الجزيرة، فمن غير المعقول أن يشجع الشعر الجاهلي الذي يتغنى بأمجاد المجتمع الوثني. كذلك فإن أعدادا كبيرة من سكان شبه الجزيرة قد تركوها في فترة الفتوح الإسلامية ليستقروا في مواطن جديدة أدخلتهم في أجواء جديدة استوعبت اهتماماتهم وانشغلوا بالمواءمة بين أنفسهم وبين ظروفها, الأمر الذي يشجع اندثار ما كان قد علق بأذهانهم من الشعر الجاهلي على افتراض وجوده أصلا٦.

أما المجموعة الثانية من الأدلة فيتعرض فيها المستشرق إلى الشعر الجاهلي على أكثر من صعيد. فعلى صعيد الوزن الذي تجده فيما بين أيدينا من الشعر


٦ المرجع ذاته: صفحات ٤٢٨-٤٣٤. الإشارة إلى شعر قاله آدم -عليه السلام- في المسعودي: مروج الذهب, المكتبة التجارية، القاهرة ١٩٤٨، ج١ ص٦٥, الإشارة إلى شعر قاله إسماعيل -عليه السلام- في الأغاني، ط دار الكتب. جسس١٣، ص ١٠٤.

<<  <   >  >>