للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما النقطة الثانية في هذا المجال فهي ما أورده المنكرون للشعر الجاهلي من أن به بعض المعاني أو الألفاظ والإشارات الدينية التي وردت في القرآن الكريم ومثل هذه المعاني والألفاظ أو الإشارات تفترض في رأيهم أن يكون ما وصلنا من الشعر الجاهلي قد وضع في فترة لاحقة لنزول القرآن الكريم. وفي هذا المجال رد أحد الباحثين على ورود بعض المعاني القرآنية في الشعر الجاهلي بأنه من الجائز أن ينطق العرب بحكمة ثم يأتي القرآن بهذه الحكمة ويبرزها على وجه أبلغ وأرقى٢١. وهو أمر أراه واردًا فالقرآن الكريم نزل إصلاحا للمجتمع بما فيه من أفكار وممارسات، وإذا كان من الطبيعي أن يقف في وجه الفكرة أو الممارسة الخاطئة، فمن الطبيعي كذلك أن يدعم الفكرة أو الممارسة السليمة. وأود أن أضيف هنا، فيما يخص ورود بعض استعمالات الألفاظ القرآنية مثل الركوع والسجود وغيرهما في الشعر الجاهلي أن القرآن الكريم نزل لكي يفهمه ويقتنع به الجاهليون، ومن ثم لا بد أن يستخدم ألفاظًا يعرفون ويمارسون استعمالها ومضمونها ومن غير الوارد أن ينزل بألفاظ غريبة عليهم، وفي هذا المجال فإن القرآن يحرص في مناسبات عديدة على أن يذكر بهذه الحقيقة وهي أنه نزل بلسان عربي يعقله أو يفهمه سامعوه أو أنه نزل بلسان عربي "مبين"، أي: إن هدفه هو الإيضاح والإبانة، وما كان لهذا الإيضاح أن يتم لو كانت ألفاظ القرآن غريبة على الجاهليين٢٢. وأما عن إشارة مثل وصف نوح بالأمانة التي وردت في شعر النابغة, فإن النابغة إن لم يكن نصرانيا فقد كان على صلة دائمة ببلاط الغساسنة وهم نصارى, ومن ثم يعرفون أسفار "العهد القديم" أو التوراة التي يرد فيها


٢١ محمد الخضر حسين: المرجع ذاته، ص٢١٢.
٢٢ من الآيات القرآنية التي أشارت إلى ذلك، سورة النحل: ١٠٣، سورة الشعراء: ١٩٥، يوسف: ٢١، طه: ١١٣، الزمر: ٢٨، فصلت: ٣، الشورى: ٧, الزخرف: ٣، الأحقاف: ١٢.

<<  <   >  >>