فألفيت الأمانة لم تخنها ... كذلك كان نوح لا يخون وإشارة وصف نوح بالأمانة ترد في سورة الشعراء: ١٠٧، ولكن إضفاء الأمانة على أي شخص يثق فيه قومه كان أمرًا واردًا ولا غرابة فيه، فاللفظة عربية، والصفة واردة في التعامل اليومي، وقد وصف شيوخ قريش محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالأمين وهو صبي في أثناء حادثة الحجر الأسود عند ترميم الكعبة، قبل أن ينزل القرآن الكريم، ولا أرى في الواقع وجهًا للغرابة في أن يوصف رسول بالأمانة, فالصفة الأساسية لحامل الرسالة هي الأمانة في تأديتها وتبليغها سواء قبل نزول القرآن الكريم أو في آياته. والقرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي كي يعقله ويفهمه العرب يستخدم هذه الصفة لعدد آخر من الأنبياء والرسل في سورة الشعراء: هود في آية ١٢٥، صالح ١٤٣، لوط ١٦٢، شعيب ١٧٨. وواضح أن صفة الأمانة التي تتردد في وصف الرسل في سورة الشعراء هي مقابلة مع صفة عدم الأمانة التي يوصف بها الشعراء في السورة ذاتها: ٢٢٦ {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} . وفيما يخص ما يرى مارجوليوث أنه عدم معرفة من جانب مجتمع الجاهلية بنوح وأمانته, يستشهد المستشرق بعدم معرفة محمد -صلى الله عليه وسلم- وقومه بذلك كما يظهر من سورة هود: ٤٩ {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} . ولكن الإشارة هنا هي إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وقريش، أو على أوسع تقدير إلى الجاهليين من غير أهل الكتاب، ولكنها ليست إشارة إلى اليهود والنصارى من أهل الكتاب كما هو واضح من الآية. وقد كان وصف نوح في التوراة التي تعرفها هاتان الطائفتان الدينيتان بأنه رجل بار، وهو وصف يحمل معنى الأمانة، راجع: التوراة, سفر التكوين، إصحاح ٦, وإصحاح ٧: ١.