للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقنعًا في دلالته على أن الشعر الجاهلي لم يكن خلوًّا من الحديث عن المعتقدات الدينية في مجتمع شبه الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، ومن ثم تسقط حجة المعارضين لأصالة هذا الشعر التي أقاموها على أساس أنه خلو من الإشارة إلى هذه المعتقدات. ولعل خير ما أختم به التدليل على أصالة الشعر الجاهلي، فيما يخص هذا الجانب من حياة المجتمع العربي الجاهلي، هو التفسير السيكولوجي الذي قدمه باحث معاصر آخر عن شعر امرئ القيس، ك. ومن خلال هذا التفسير يرى الباحث، بعد استقرائه لما نعرف عن حياة امرئ القيس، أنه افتقر إلى حنان الأمومة في طفولته بشكل واضح، ومن ثم فهو "يفتقد دفء الأمومة، ويحن إلى المرأة الأم" ل وهو يفصح عن هذا المعنى الذي يتلمسه حين يتحدث عن محبوبته فيدخل في وصفه فكرة الأمومة والطفولة حين يقول:

تصد وتبدي عن أسيل وتتَّقي ... بناظرة من وحش وجرة مُطفل

وهو يعود مرة أخرى إلى هذا المعنى بتحديد أكثر وأعمق من حيث الدلالة النفسية عندما يقول:

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعًا ... فألهيتها عن ذي تمائم مُغْيَل

وهو بيت يرى فيه الباحث إشارة واضحة إلى أن الشاعر كان يتوق إلى التعبير عن أنه كان يخيل موقع الطفولة من حبيبته، وذلك بعد أن يلهيها عن طفلها وحملها ورضاعها إلهاء، فنحن هنا أمام شاعر يبحث عن دفء الأمومة في المرأة أكثر مما يبحث عن أي شيء آخر، م.

على أن الباحث يرى أن معنى الأمومة لا يقتصر ذكره في شعر امرئ القيس على هذا السياق العام، وإنما يقرنه الشاعر في شكل واضح


ك- عفت الشرقاوي: دروس ونصوص في قضايا الأدب الجاهلي "بيروت، دار النهضة العربية، ١٩٧٩"، صفحات ٢٤٢-٢٥٨.
ل- ذاته: المرجع ذاته، ص٢٥٣.
م- المرجع ذاته: ص٢٥٤.

<<  <   >  >>