للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحدد بإضفاء القدسية الدينية على المرأة كأنثى وكأم في الوقت ذاته، ن، حين يقول في وصف فتاتين:

هما نعجتان من نعاج تبالة ... لدى جؤذرين أو كبعض دُمى هَكِرْ

فهنا معنى الأمومة واضح من تشبيه تعلق الفتاتين بمن يحبانهما بتعلق البقرتين بجؤذريهما. ولكن المغزى الديني للأمومة يبدو كذلك واضحا من تشبيههما بالدمى، والدمية هي الصنم، وهكر مدينة باليمن "حيث شاعت عبادة الشمس كواحدة من الثالوث الكواكبي" وفي بعض الروايات اسم لدير بها "لسان العرب، مادة: هكر". وهكذا يتطابق التفسير السيكولوجي لموقف امرئ القيس من المرأة الذي يرى الباحث أنه "يجمع بين الاشتهاء الجسدي والشعور الروحي العميق بقدسية الأمومة في نسق واحد" وبين التفسير الميثولوجي الذي ظهر منه أن الصور التي ظهرت فيها المرأة في الشعر الجاهلي كانت فيها في حقيقة الأمر رمزا لأمومة مقدسة على المستوى الديني للإلهتين المعبودتين: الشمس في أمومتها من جهة، والزهرة في أنوثتها من جهة أخرى, لتصبح هذه الصور إشارات إلى المعتقدات الدينية التي وردت في الشعر الجاهلي.

وأنقل الحديث الآن، بعد معالجة الجانب الديني في الشعر الجاهلي، إلى الجانب الثاني الذي افتقده منكرو أصالة ما وصل إلينا من هذا الشعر، وهو الحياة العقلية؛ فغياب هذا المظهر، حسبما ذكروا، يتناقض مع قدرة الجاهليين على مجادلة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو جدال ظهر فيه شيء كثير من الوعي والذكاء. وهنا يرد أحد الباحثين بأن الشعر الجاهلي ليس في الحقيقة خلوا من هذه الحياة العقلية٢٥ ونحن في الواقع نجد في عدد


ن- المرجع ذاته: الصفحة ذاتها.
٢٥ محمد الخضر حسين: المرجع ذاته، ص٥١.

<<  <   >  >>