للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من مواضع الشعر الجاهلي ما يؤكد هذا الرد. ويكفي أن ننظر، على سبيل المثال, في الأبيات الأخيرة من معلقة زهير بن أبي سلمى أو في بعض الأبيات التي جاءت في قصيدة النابغة الذبياني التي يتحدث فيها عن وشاية ضده لدى النعمان بن المنذر أمير الحيرة لكي نتأكد من هذا الرد٢٦. كما أضيف إلى هذا التأييد أننا يجب ألا ننتظر من الشعر أن يغلب عليه الطابع العقلاني وإلا نكون قد أخرجناه عن طبيعته.

والحديث عن الجوانب الأخرى للحياة في العصر الجاهلي، وهي الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وهو ما ينكر المعارضون وجوده، أو على الأقل وجوده بشكل واعٍ, هو الآخر حديث مردود عليه. ففي الجانب السياسي نجد العلاقة مع الروم "البيزنطيين" واضحة ومفصلة في شعر امرئ القيس وهو يصف رحلته إلى بلاد الروم ليلتقي بالقيصر، ويعرفنا بالسبب الذي دعاه إلى هذه الرحلة ويصف لنا الطريق التي قطعها إلى هناك عبر سورية, ويحدد لنا الأماكن التي مر بها على هذه الطريق وما الذي ينتظره من قيصر, بل يزيد على ذلك ليذكر احتمال نجاحه أو فشله بعد هذه الرحلة. والأعشى يحدثنا عن جانب آخر من علاقات شبه جزيرة العرب بالقوى الدولية الموجودة آنذاك؛ فيشير، على سبيل المثال، إلى الصراع بين الحبشة والإمبراطورية الفارسية على اليمن وهكذا٢٧.

والشيء ذاته يقال عن الجانب الاقتصادي من الحياة الجاهلية، فالشعر الجاهلي لم يقتصر على تصوير الجود والكرم والإسراف الذي يشير إلى الثروة، ولم يتجاهل المعاناة من الحرمان والتعبير عن هذه المعاناة وعن الهوة السحيقة التي


٢٦ أبيات زهير في شيخو والبستاني: ذاته، المعلقة، أبيات ٤٩-٦٤. أبيات النابغة، ذاته، قصيدة اعتذار، أبيات ٥-٧، ١١.
٢٧ أبيات امرئ القيس، ذاته: قصيدة في طريق بيزنطة، أبيات ٢٩-٣٥. الأعشى, ذاته, المعلقة, بيت ٢٩.

<<  <   >  >>