للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تفصل بين الطبقات, وأمامنا في هذا المجال مجموعة من الشعر الجاهلي الذي يعرف بشعر الصعاليك وفيها تظهر المرارة التي أحستها هذه الطبقة المحرومة في شعر الشّنْفَرى أحد هؤلاء الشعراء, وفيها كذلك ما كان يلجأ إليه أفراد هذ الطبقة من ممارسات من بينها السرقة من أجل سد الرمق، واللجوء للحيلة لتحقيق الهرب من ملاحقة الطبقة المسيطرة التي لم تكن تتورع عن التصفية الجسدية في سبيل إحكام سيطرتها على موارد الإنتاج، وهو موقف يصوره تأبط شرًّا "شاعر آخر من شعراء الصعاليك" تصويرًا يعبر, رغم ما يشيع فيه من روح مرحة ساخرة, عن هذه الهوة الساحقة بين طبقات المجتمع الجاهلي٢٨.

ولا يقصِّر شعر الجاهليين في تصوير الحياة الاجتماعية إلى جانب النواحي الأخرى من حياة المجتمع الجاهلي. فرغم أن الأغلبية الساحقة من الصور التي يقدمها لنا هذا السفر هي عن حياة البادية، إلا أن حياة البحر تظهر في عدد من الصور, وإن كان هذا العدد ضئيلًًا، ولا غرابة في هذا الإقلال من صور الحياة البحرية في الشعر الجاهلي، فابتداء من القرن السادس الميلادي، وهو القرن الذي ترجع إليه أغلب قصائد الشعراء الجاهليين كان هناك ركود في النشاط البحري لعرب شبه الجزيرة، أمام سيطرة اليونان على الخطوط الملاحية بين البحر المتوسط والمحيط الهندي٢٩. ومع هذه الظروف التي أدت إلى الإقلال من الشعر البحري، فإن ما قدمه لنا هذا الشعر من الصور لا يكتفي بالنظرة العامة أو التشبيه العابر، ولكنه يتجاوز ذلك إلى عدد من التفاصيل


٢٨ عن الشنفرى، ذاته: لامية العرب، ١-٢٨. عن تأبط شرا، ذاته: قصيدة غار العسل، ١-٩.
٢٩ كان هذا أحد جوانب التدهور الاقتصادي في العربية الجنوبية في القرن السادس الميلادي. ونلاحظ أنه في خلال هذا القرن بدأ التدهور السياسي الذي اتخذ مظهر احتلال قوات غير عربية لهذه المنطقة ابتداء من ٥٢٥/٥٢٤م. راجع القسم الثالث من هذه الدراسة.

<<  <   >  >>