للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نجدها في شعر طرفة بن العبد والمثقب العبدي، وهي تفاصيل تتناول أسماء بعض أجزاء السفينة وطريقة سيرها وتحديد الطرق المائية التي تتخذها والمرافئ التي تتوقف عندها أو تمر بها, بل نحن نجد اسمًا لأحد الملاحين العرب، يبدو أنه كان مشهورًا آنذاك، ضمن هذه التفاصيل٣٠.

ثم أنقل الحديث الآن إلى مناقشة ما أورده أصحاب الرأي المعارض لوجود الشعر الجاهلي فيما يخص صحة روايته ومدى أمانة العلماء من رواة القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة. وفي هذا الصدد أشير إلى ما أسلفت ذكره من أن الرواية قد تؤدي إلى تغيير أو تحوير أو زيادة أو نقصان، ولكنها لا تصل إلى أن يندثر الشعر اندثارًا كاملًا، بل لا تصل إلى أن تتغير الأفكار أو المواضيع الأساسية للشعر تغيرا كاملا. وقد رأينا أن الإلياذة والأوديسية قد تداولها اليونان على هيئة مقطوعات وأناشيد متفرقة منذ القرن الثاني عشر ق. م. قبل أن يتم إخراجها في صورة معلقتين في أواسط القرن التاسع ق. م. ثم ظلت تنتقل بالرواية الشفهية حتى دونت بعد ذلك بقرنين أو أكثر, ومع ذلك فلم تندثر ولم تتغير مواضيعها وأفكارها. وأزيد هنا أن كل كشف أثري قام به المنقبون الأثريون منذ القرن الماضي حتى الآن كان يؤكد جانبا آو آخر مما جاء في هاتين الملحمتين، بل إن كشوفا أثرية أخرى في مناطق غير يونانية وتخص حضارات غير يونانية لا تفتأ تؤكد علاقات بين اليونان وبين هذه الحضارات أشارت إليها بعض مقطوعات الملحمتين -وهكذا يبقى الشعر اليوناني الذي ضمته الملحمتان حتى الآن مصدرا أساسيا لحياة اليونان في العصر الذي يمتد عبره هذا الشعر٣١.


٣٠ شيخو والبستاني: ذاته، معلقة طرفة بن العبد، أبيات ٣-٥. أبيات المثقب العبدي في ذاته: قصيدة مدح عمرو بن هند، أبيات ٢١-٣٢.
٣١ مثال ذلك آثار قصر أجاممنون "قائد الحملة اليونانية إلى طروادة في ملحمة الإلياذة" في مدينة ميكيني بمنطقة أرجوس في شبه جزيرة البلوبونيسوس "المورة" في جنوبي بلاد اليونان، وآثار قصر نسطور "أحد قواد الحملة ذاتها" في مدينة بيلوس كذلك في جنوبي بلاد اليونان، وآثار مدينة أليون "بمنطقة طروادة" عند تل حصارلك تتركيه، ونقوش على جدران معبد الكرنك تتفق وما جاء في الأوديسية، راجع عن هذه النقوش: breasted: ancient egyptian records المجلد الثالث، فقرة ٥٨٨.

<<  <   >  >>