والشيء ذاته ينطبق, بالقياس، على الشعر الجاهلي الذي لم تستمر روايته مدة تضاهي في طولها المدة التي استمرت فيها رواية أشعار الملحمتين اليونانيتين -قد يتغير فيه شيء من هنا أو يزاد عليه أو ينقص منه شيء من هناك ولكن يظل محوره كما هو وتظل خطوطه الأساسية كما هي دون تغيير, ونحن إذا نظرنا في الواقع إلى عدد من القصائد الجاهلية ولتكن بعض القصائد الطوال التي اشتهرت باسم المعلقات سنجد فيها مصداقًا لهذا الحكم, فكل منها تظهر فيها شخصية الشاعر الخاصة به, المستقلة عن غيره، بكل محورها وملامحها. فرغم أن أغلب الشعراء اشتركوا في بكاء الأطلال والتغزل في المحبوبة, ووصف البادية والناقة والفرس، إلا أن كل شاعر كانت له نقطة اهتمامه واتجاهه الذي يميزه عن الآخرين، فامرؤ القيس هو شاعر اللهو والسعي وراء مُلْك يريد أن يحصل عليه ولكنه لا يعطي ذلك من الجد ما هو جدير به ويكاد يقدم اليأس من تحقيق بغيته على الإصرار على الوصول إليها. والنابغة هو شاعر البلاط والاعتذاريات الذي ينتقل من بلاط إلى البلاط الذي يناصبه العداء, ثم يعود إلى أمير البلاط الأول ليعتذر ويقدم خضوعه وولاءه من جديد, وعمرو بن كلثوم هو شاعر الانفعال الغاضب والعصبية القبلية التي لا تعرف للآخرين حقوقًا, وزهير بن أبي سلمى هو شاعر التعقل والسلام والمصالحة بين المتحاربين "من عبس وذبيان" والتحذير من الحقد ومن ويلات الحرب وأهوالها والحكمة المتأنية الهادئة، والحارث بن حلزة هو شاعر المهاترة والتشهير بخصومه والتزلف إلى صاحب السلطان والدس لديه ضد القبيلة المعادية لقبيلته. ونستطيع أن نذكر الشيء ذاته عن الفرق بين الشعراء الذين