قبل الإسلام، ومن الممكن أن نتعرف منه على تصور متكامل أو قريب من المتكامل لهذا المجتمع. فنحن نسمع في هذا الشعر عن قدر كبير من الأسماء، من بينهم ملوك أو أمراء ورؤساء قبائل وأشخاص ينتمون إلى كل طبقة أو فئة من طبقات المجتمع الجاهلي وفئاته. وقد لا يفيدنا التعرف على بعض هذه الأسماء في بعض الأحيان، ولكن عددا منها يمكن أن نعتمد عليه، إذا أخذناه مع الملابسات التي تحيط به، في تكوين صورة عن العلاقات التي ضمها هذا المجتمع. كذلك فإن أسماء الرهوط والقبائل تساعدنا في تصور التكوين القبلي والعشائري الذي يشكل المقوم الأساسي من مقومات الحياة في شبه الجزيرة في الفترة السابقة لظهور الدعوة الإسلامية، وهو في الواقع مقوم ظل واردًا حتى بعد ظهور هذه الدعوة وظهور الدولة الموحدة عند استتبابها.
كذلك فنحن نتعرف من هذا الشعر على قدر كبير من الأماكن والبلدان والمحالِّ والآبار، بل أكثر من ذلك في تعرفنا على عدد من الأماكن نلمس اهتمام سكان شبه الجزيرة بالتكوينات التي يتسم بها سطح المنطقة، الأماكن المرتفعة والمنخفضة والدارات والحرَّات والبطون والكثبان، وهو اهتمام له ما يبرره، إذ هو الذي يحدد المناطق الصالحة للسكنى أو لمضارب الخيام، كما يحدد مسار القوافل وأماكن الرعي، وهو من ثم يساعد الباحث التاريخي على التعرف على مناطق العمران وتوزيعها، وعلى اتجاه الطرق التجارية أو المسالك بين قسم وآخر أو قبيلة وأخرى في شبه الجزيرة -الأمر الذي يساعد في إعطاء تصور كامل لحركة المجتمع الذي كان يقطن المنطقة في الفترة السابقة للإسلام.
وإلى جانب هذا، فهناك الأيام والمعارك التي سجلها الشعر الجاهلي في عديد من قصائده التي وصلت إلينا مثل: حرب السباق "حرب داحس والغبراء" ويوم بارق بين شيبان وتغلب, ويوم الجفار بين تميم بكر, ويوم حليمة بين