في اليمن ألفاظًا كثيرة تشير إلى المحصولات الزراعية أو إلى منتجاتها والمعاملات الخاصة بها. فلفظة "قمح" تقابلها لفظة "بُرّ" ولفظة "طحين" تقابلها لفظة "دققم" أي الدقيق، كما ترد في هذه النصوص لفظة "دق" بمعنى الحب الذي يتبقى في الأرض بعد التذرية، ولفظ "علص" بمعنى درس الحبوب أو بمعنى الحقل أو المزرعة. هذا بينما نجد ألفاظا أخرى عديدة غير منقولة عن الآرامية أو غيرها من لغات المناطق الواقعة خارج شبه الجزيرة, تشير إلى أنواع أخرى من الثمار أو المحاصل أو إلى عقود لتأجير الأرض بغرض الزراعة وهكذا٨. وهذه النصوص بما فيها من تسميات ومعاملات تشير جميعًا إلى أن الحياة الزراعية في القسم الجنوبي من شبه الجزيرة كانت حياة طبيعية أصيلة لا ترد الألفاظ الدالة عليها من خارج البلاد وإنما تشكل موردا أصليا من موارد الإنتاج ليس فيه مجال لأن يتعالى أحد عليه أو يحط من شأنه أو شأن المشتغلين به.
كذلك ربما يتبادر إلى الذهن أن هذه النصوص العربية الجنوبية قد تشير إلى أن وجود الحياة الزراعية كمورد اقتصادي أساسي أمر قاصر على القسم الجنوبي من شبه الجزيرة. ولكن شهادة الكتاب الكلاسيكيين في أواخر القرن الثالث ق. م. وأوائل القرن الذي يليه، ثم شهادة القرآن الكريم في أوائل القرن السابع الميلادي، أي: بعد ذلك بعشرة قرون كاملة، ما يثبت أن تصور الحياة الزراعية كمورد اقتصادي أساسي في شبه الجزيرة العربية كلها كان تصورا قائما وراسخا. وفي هذا المجال نجد الجغرافي اليوناني إراتوسثينس "إراتسطين الجغرافي عند العرب" يصف شبه الجزيرة في الفترة التي اشتهر
٨ عن لفظتي "بر" و "دققم"، راجع نص cih, ٢٤١ عن لفظة "دق" راجع نص res, VII, ٢٨٥ عن الألفاظ الخاصة بالتأجير والمعاملات الزراعية الأخرى راجع نص cih, ٩٩ ونصي halevy, ٤٩,١٤٧ كذلك راجع أدناه في هذا الباب عن زراعات أخرى بالعربية الجنوبية راجع، جواد علي: ذاته، ج٧، ص٥٩.