الأثريون في العربية الجنوبية من وفرة في الألفاظ ذات المعاني التجارية التي تتصل بالبيع والشراء والامتلاك والعقود والأوامر التي كان الملوك يصدرونها لتنظيم جباية المكوس -الضرائب الجمركية- على السلع التي تباع في الأسواق وما يترتب على مخالفتها أو التهرب منها من عقوبات، أو لتنظيم المعاملات التجارية بجوانبها المختلفة مثل الشروط التي تتصل بحقوق الأغراب في ممارسة التجارة بالمنطقة أو بممارسة أهل المنطقة للتجارة في الخارج.
وعلى سبيل المثال, فنحن نجد من بين هذه النقوش نقشًا يشكل مرسومًا ملكيًّا موجهًا من الملك "شهر هلل -أو هلال- بن يدع اب" إلى تجار قتبان، سواء منهم أبناء المنطقة أو الأغراب القادمون إليها بقصد الاتجار، ومن بين ما ورد في هذا النقش أن "من يتجر تجارة في تمنع -عاصمة قتبان- أو بخارج تمنع فعليه أن يقدم عربونًا إلى تمنع وأن يكون مقيما بشمر -إحدى المدن- وإن آثر قتبان محلًّا لاتجاره، وأراد أن يتجول ليشتري، فعليه أن يشتري من شمر"٢٩ والجملة تشير، كما هو واضح, إلى الشروط التي يجب أن يلتزم بها التجار الأغراب الوافدون إلى قتبان للاتجار فيها, سواء من حيث مكان إقامتهم أو مكان مشترياتهم أو مكان ممارستهم لتجارتهم، أو الرسوم المطلوب تأديتها إلى الإدارة المختصة بالعاصمة.
والشيء ذاته نجده في منطقة الحجاز حيث ظهر أكثر من مركز تجاري من بينها مكة ويثرب والطائف. وفي مكة، على سبيل المثال, نرى قبيلة قريش وقد نشطت نشاطا ملحوظا ومستمرا في المعاملات التجارية سواء فيما بين القرشيين وبعضهم أو مع الشعوب الأخرى مثل البيزنطيين والفرس والحبش، بحيث أصبح لديهم من تجاربهم في هذا المجال عدد من القواعد والأصول التي شكلت عرفا تجاريا متبعا جعل باحثا معاصرا يرى فيه ما يمكن
٢٩ الجملة وردت في النص رقم RES ٤٣٣٧, الترجمة لجواد علي: ذاته، ج٧، ص٢٣١.