وفي تفاصيله إلى قدر كبير من الثراء الذي يصل إلى حد البذخ في مواضع عديدة، كما نجد في مدينة جرش -بالأردن حاليا- الساحة الكبيرة forum التي تحيط بها الأعمدة الشاهقة على النمط الروماني، وبقايا الشوارع المتقاطعة المرصوفة بالأحجار العريضة والتي لا يزال عدد كبير من الأعمدة التي تحف بها قائمة حتى الآن، هذا إلى جانب المسرح الحجري المدرج الذي بقي حتى الوقت الحاضر محتفظًا بحالته القديمة في أغلب مقوماته مثل ساحة الجوقة ومدرجات المشاهدين. أما تدمر, هذه المدينة الفريدة التي كانت تقع في قلب الصحراء في شمالي شبه الجزيرة عند نقطة التوازن القوية بين أملاك الرومان في الغرب وأملاك الفرس في الشرق، والتي عرفها اليونان والرومان باسم "مدينة النخيل" palmyra، فلا تزال آثارها الباقية حتى الآن تنطق بما كانت تتمتع به من ثروة كبيرة, ومن بين هذه الآثار العديدة طريق الأعمدة التي تنتهي بقوس النصر, وكانت هذه هي الطريق الرئيسة في المدينة, يحف بها صفانِ من الأعمدة بطولها من اليمين واليسار لا يزال باقيا منها حتى الآن ١٥٠ عمودا ضخما من أصل ٣٧٥ عمودا، ومعبد بعل ومعبد بعل شمين "رب السموات" وعدد من الأبراج الجنائزية المربعة الشكل التي كانت تستخدم كمقابر للدفن وعدد من المناظر المنحوتة على طريقة النحت البارز التي كانت تزين واجهات المعابد والمباني الأخرى٢٨.
ونحن نستطيع في الواقع أن ندرك، من زاوية أخرى، مقدار ما كان يمكن أن تجنيه بعض مناطق شبه الجزيرة من ثروة من هذا المورد الاقتصادي التجاري إذا ألقينا نظرة سريعة على بعض المؤشرات التي نستنتج منها حجم النشاط التجاري والمعاملات التجارية في شبه الجزيرة العربية، ومن بين هذه المؤشرات, على سبيل المثال، ما نجده في النقوش التي عثر عليها المنقبون