مملكتهم على حساب جيرانهم، ففي ٨٧ ق. م. أدخلوا ضمن هذه الحدود دمشق ومنطقة البقاع "جوف سورية koele syria في تعبير الكتاب اليونان" كما ضموا إلى مملكتهم كذلك المنطقة الشمالية من الحجاز "مدائن صالح" ربما في القرن الأول الميلادي, ولكن هذا القرن "الأول الميلادي" كان قد بدأ يشهد تطورين ما لبثا أن أديا إلى تدهور هذه المملكة ثم سقوطها واندثارها. ففي غضون هذا القرن نشط الخط التجاري البحري الذي يمر من البحر الأحمر إلى المحيط الهندي ومن ثم انتقل إليه قسم غير قليل من التجارة التي كانت تنقل على الخطوط البرية، كذلك تزحزح مسار الخط البري الطولي من اليمن إلى سوريا نحو الشرق قليلًا فلم تعد البتراء تمثل موقعًا تجاريًّا حيويًّا، كما تزحزح الخط التجاري العرضي الذي كان يمر بين وادي الرافدين والشواطئ السورية نحو الشمال, فانتقلت الأهمية التجارية من البتراء إلى تدمر في الشمال, وكان هذا إيذانًا بالتدهور الاقتصادي لمملكة الأنباط٣.
أما التطور الآخر فهو أن مملكة الأنباط كانت في هذا القرن قد بدأت تسترعي انتباه الإمبراطورية الرومانية بشكل متزايد بعاصمتها المنيعة التي تحصنها التكوينات الصخرية المحكمة من ثلاث جهات هي الشرق والغرب والجنوب بحيث لا يمكن النفاذ إليها إلا من ممر ضيق بين الصخور في الشمال. وهكذا رأت روما في المنطقة حاجزا حدّيّا أمام محاولات الفرثيين "الإمبراطورية الفارسية" للتوسع على حساب أراضي الإمبراطورية الرومانية، ومن ثم أدخلت مملكة الأنباط في دائرة نفوذها في شكل تبعية غير رسمية. ورغم أن هذه التبعية لم تؤثر في البداية على ازدهار المنطقة "بل لقد وصل هذا الازدهار إلى درجة كبيرة في ظل هذه التبعية التي انحصر هدفها في القيمة العسكرية للموقع
٣ عن التوسع في سورية وفي الجنوب راجع: hitti، ذاته، ص ٦٨. عن تحول الخط التجاري للشمال راجع: kammerer: petra et la nabatene "paris ١٩٢٩" ص٣٠٧.