للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصبحت ولاية رومانية في أوائل القرن الثاني وظلت كذلك حتى الربع الأخير من القرن الثالث الميلادي ولكنها مع ذلك نظرًا لموقعها الحدي بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية كانت ولاية من نوع متميز بعض الشيء فلم ترسل روما ولاة رومانيين إليها، وإنما كان حكامها من أبنائها المحليين الذين أبدوا ولاءً غير عادي لروما في التصدي لمحاولات التوسع الفارسية على حساب الحدود الرومانية الشرقية. وفي ظل هذا الوضع المتميز وصلت تدمر إلى قمة ازدهارها الاقتصادي بين ١٣٠ و٢٧٠م، وبخاصة بعد أن نشطت طريق التجارة البرية الآتية من الصين إلى الغرب مارة بهذه المدينة وهو ازدهار مَكَّن مملكة تدمر من أن توسع حدودها فلم تعد قاصرة على العاصمة والقرى أو المدن الصغيرة الواقعة بقربها وإنما اتسعت منطقة نفوذها، كمكافأة من الإمبراطور، لتشمل سورية وشمالي شبه الجزيرة العربية. ولكن حين حاولت الزبَّاء أو زينب "زينوبيا zenobia عند الرومان" أن تستغل موقعها الحدي بين الشرق والغرب وتتفاهم مع الفرس وتعتمد على هذا التفاهم لتحصل على مناطق توسع جديدة في آسيا الصغرى ومصر اجتاحت القوات الرومانية هذه المملكة ودمرت عاصمتها في ٢٧٢م واختفت من فوق المسرح التاريخي ونسيت خرائبها حتى بدأ الرحالة وعلماء الآثار ابتداء من القرن الثامن عشر في اكتشافها وتكوين صورة تتضح يومًا بعد يوم عن تاريخها وحضارتها٦.

كان هذان، إذن، مثالين من النوع الثاني للتكوينات السياسية التي ظهرت في شبه الجزيرة العربية، وهو النوع الذي اتخذ شكل الإمارة أو المملكة الصغيرة. وقد قامت المملكة الأولى وهي مملكة الأنباط، كما رأينا،


٦ dussaud: ذاته، صفحات ٧١-١٨٨. كذلك m. cary: Ahistory of rome, "london ١٩٦٠" ط١, صفحات ٧٢٤, ٧٢٥، ٧٢٨.

<<  <   >  >>