بشكل أساسي على أساس من موقعها الحيوي المتحكم في الخط التجاري الطولي الذي يصل جنوبي شبه الجزيرة العربية بالمنطقة السورية من جهة، والخط التجاري الطولي الذي يصل جنوبي شبه الجزيرة العربية بالمنطقة السورية من جهة، والخط التجاري العرضي الذي يصل بين وادي الرافدين والمنطقة السورية، وحين تدهورت أهمية موقعها تدهورت معه المملكة وانتهت بالسقوط. أما المملكة الثانية وهي تدمر فقد قامت على أساسين متوازيين، أولهما هو الموقع التجاري الأوسط الذي يحكم الطريق التجارية العرضية بعد أن تزحزحت نحو الشمال، وثانيهما هو الاعتماد على موقعها الاستراتيجي المتوسط بين القوتين المتصارعتين: الإمبراطورية الفارسية في الشرق والإمبراطورية الرومانية في الغرب، بأن تضع نفسها في خدمة إحداهما وهي الإمبراطورية الرومانية، ولكنها حين حاولت أن تحول اللعبة لحسابها بتغيير ولائها إلى الجانب الآخر، أثبتت لعبة القوى الكبرى أنها أقوى منها، فدمرها الرومان ولم يساعدها الفرس.
أما المثال الثالث لهذا النوع الثاني من التكوينات السياسية في شبه الجزيرة العربية، وهو الممالك أو الإمارات الصغيرة، فتمثله إمارتان قامت إحداهما على حدود الإمبراطورية الفارسية والأخرى على حدود الإمبراطورية الرومانية. أما الأساس الذي قامت عليه كل منهما, فهو في قسم بسيط منه وقوع أقسام من الخطوط التجارية في أراضيهما، ولكن القسم الأهم منه هو قيام كل من هاتين الإمارتين بحماية حدود الإمبراطورية التي تدين لها الإمارة بالتبعية والولاء سواء من غارات البدو أو من محاولات التوسع التي يقوم بها الجانب الآخر -هاتان الإمارتان هما إمارة الغساسنة على الحدود الشرقية للشام وإمارة اللخميين على التخوم الغربية لنهر الفرات.
وربما كان الغساسنة يشكلون في الأصل قبيلة يمنية هاجرت إلى منطقة حوران على أثر تصدع سد مأرب في القرن الثالث الميلادي تحت زعامة عَمْر