اضطرت إلى تعلم لهجة قريش حتى تفهم آيات القرآن، وإنما تشير كل الملابسات إلى أن معرفتهم بهذه اللهجة كانت شيئا مفروغا منه, الأمر الذي يعزز افتراض التقارب الوثيق بين اللهجات العربية قبل ظهور الإسلام، أو وجود لهجة عامة يعرفها جميع العرب، بغض النظر عن لهجاتهم المحلية.
وهكذا يتضح لنا أثر الظروف المكانية في التجانس الكبير بين عرب شبه الجزيرة لتصبح لديهم مقومات الهوية أو الشخصية الجماعية التي تساعد على سرعة انتشار أية حركة تتوفر لها البداية المقنعة لسبب أو لآخر، كما حدث في حال الدعوة الإسلامية. على أن هذا التجانس لم يكن كل ما أسهمت به الطبيعة المكانية لشبه الجزيرة العربية في سرعة انتشار الدعوة الإسلامة بها كبداية للدور الحضاري العربي خارجها, فقد ساعد هذا العامل المكاني في هذه السرعة بطريقة أخرى. لقد بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- دعوته في مكة. وحين ضيقت قريش الخناق على نشاطه وعلى أتباعه بما قد يؤدي إلى بطء انتشار الدعوة، هاجر هو وصحبه إلى يثرب -المدينة المنورة فيما بعد- وحقيقة إن الرسول كانت له صلة قربى في يثرب، ولكن الحقيقة الأخرى التي تواكبها هي أن يثرب كانت تقع على طريق القوافل التجارية إلى الأسواق السورية في الشمال, ومن يتحكم في موقعها يصبح في يده أن يخنق تجارة قريش إلى الشمال. وفي الواقع إن المتأمل للخط التجاري الذي يصل بين مكة والشمال لا يسعه إلا أن يلاحظ أن أهم غزوات الرسول، إلى جانب ملابساتها الأخرى بطبيعة الحال، كانت تقع على هذا الخط التجاري كما يبدو واضحا في غزوة بدر "جنوبي غربي المدينة في الطريق إلى مكة" ثم في غزوات أحد "على مشارف المدينة" وخيبر وتبوك اتجاهًا نحو الشمال على خط القوافل التجارية إلى سورية. وحين تمت غزوة الفتح وأذعنت مكة لإرادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان معنى هذا في الحقيقة الاستيلاء على الموقع الذي كانت تسيطر