للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالنسبة للسكان أو بالنسبة للبلاد تظهر بشكل محدد ومتواتر في كتابات المؤرخ اليوناني هيرودوتس herodotos في أواسط القرن الخامس ق. م. وتستمر من بعده سواء عند الكتاب اليونان أو الرومان أو البيزنطيين حتى ظهور الإسلام.

كذلك يشير إلى هذا التقارب أو التجانس، ومن ثم إلى الهوية العربية التي مهدت لنجاح الدور العربي التاريخي بعد ظهور الإسلام، بعض ظواهر أخرى: من بينها عدد من المناسبات التي أخذ العرب يعتزون بها كمناسبات عربية بغض النظر عن المنطقة التي حدثت فيها. وأعني بهذه المناسبات ما اصطلح المؤرخون على تسميته بأيام العرب، مثل يوم "ذي قار" وهي الموقعة التي انتصر فيها عرب الحيرة على القوات الفارسية، أو يوم "الفيل" الذي سجل ارتداد أبرهة وجنوده عن هدم الكعبة قبيل ظهور الإسلام. ومن بين هذه الظواهر التي نلمس فيها الشخصية الجماعية العربية كذلك، الأماكن التي كان العرب يتجمعون فيها لإلقاء الشعر بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية، مثل "سوق عكاظ" "شمالي الطائف"، والاتفاق الجماعي على اعتبار المنطقة المحيطة بالكعبة مكانا مقدسا لا تنبغي ملاحقة من يلوذ به، وعلى اعتبار عدد من شهور السنة "أشهرا حرما" لا يجوز الاقتتال في أثنائها بين القبائل العربية حتى يتوفر الأمن الجماعي اللازم لممارسة العرب أسباب حياتهم في شيء من الطمأنينة والاستقرار.

كذلك فإن هذا التجانس أو التقارب لا بد أنه ظهر في تقارب اللهجات في المنطقة المختلفة من شبه الجزيرة العربية، وهو تجانس يصل ما يقرب إلى التأكيد إذا تذكرنا أن القرآن نزل بلهجة قبيلة قريش، ومع ذلك فما لبث في خلال عقدين من الزمان أن انتشر بلهجته هذه في كل أرجاء شبه الجزيرة، وفي الواقع فإنه ليس لدينا ما يدعو لافتراض أن بقية قبائل شبه الجزيرة قد

<<  <   >  >>