وحاكم القبيلة أو التجمع القبلي هنا هو الشيخ أو السيد. والأساس الذي يقوم عليه حكمه ليس هو الوراثة وإنما هو الاختيار الذي قد يكون انتخابًا أو إجماعًا من القبيلة أو التجمع القبلي لنا أن نتصور أنه يتم في حدود رؤساء الأسر والأقوام "الأحياء" التي يتكون منها هذا الكيان القبلي إذا أدخلنا في اعتبارنا حرص العرب على النقاء الأسري في العصر السابق للإسلام حين لم تعرف القبائل العربية في البداية نظام الدولة بما لها من مؤسسات، ومن ثم كان التماسك الأسري "داخل التماسك القبلي" هو البديل الأساسي إن لم يكن البديل الوحيد لحفظ كيان القبيلة من التميع ومن ثم الاندثار. والصفات التي تؤهل السيد لمنصبه في السيادة أو الرئاسة هي صفات مستوحاة من حاجة القبيلة ومن ظروفها أساسًا. فالسن عليها معول كبير دون شك، إذ إنها مؤشر إلى التجربة والحكمة في مجتمع كانت العلاقات القبلية فيه تتعرض للغارات المتبادلة لأوهى الأسباب، وإن كان لنا أن نتصور وجود سادة أو رؤساء للقبائل دون اشتراط تقدم السن إذا كانت التجربة أو الحكمة في التصرف متوفرة في الشخص المرشح للرئاسة. كذلك كانت الشجاعة والحلم والكرم والثروة والحرص على مصالح القبيلة من المؤهلات الرئيسة للسيد. فالشجاعة مؤهل أساسي في مجتمع الغارات المتبادلة, والكرم لا يقل عنه ضرورة في مجتمع معرض للظروف الجغرافية القاسية التي قد تودي بالزرع والضرع، أو تؤدي إلى ندرة العشب إذ حلت بالمنطقة فترة جفاف طويلة. وقد كان ذلك واردًا في شبه الجزيرة١٤.
على أنه يحدث في بعض الأحيان أن يكون السيد الجديد ابنًا للسيد القديم، ولكن هذا لم يكن معناه ابتعادًا عن النظام الانتخابي أو الاختياري المذكور أو اقترابًا من النظام الوراثي، وإنما يكون ناتجًا عن توفر صفات الرئاسة بحكم
١٤ عن الصفات التي ينبغي توفرها في سيد القبيلة راجع، lammens، ذاته، صفحات ٢١١-٢٣٨.