للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصدفة أو الواقع في ابن السيد السابق. ونحن نجد في هذا الصدد سيدًا لإحدى القبائل، وهو عامر بن الطفيل الذي يبدو أنه اختير سيدًا بعد وفاة أبيه، السيد السابق للقبيلة، يحاول جاهدًا أن يرد عن نفسه ما قد يوجه إليه من اتهام بوراثة السيادة ويستنكر مثل هذا الاتهام، ذاكرًا أن قبيلته هي التي سودته عليها ومشيرا إلى صفاته التي جعلت قبيلته تختاره لسيادة القبيلة فيقول:

فإني وإن كنت ابن سيد عامر ... وفارسها المندوب في كل موكب

فما سوَّدتني عامرٌ عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب

ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رماها بمنكب١٥

كذلك قد يحدث أن تعطى سيادة القبيلة أو التجمع القبلي لامرأة وليس بالضرورة لرجل, والبيت الثاني من الأبيات السابقة يشير صراحة إلى هذا الاتجاه. ولم يكن هذا في الواقع أمرا غريبا عن عرب شبه الجزيرة في العصور السابقة للإسلام؛ فنحن نعرف من المصادر التي وردت فيها معاملات بين عرب شبه الجزيرة وغيرهم من الشعوب عن عدد من النساء اللاتي شغلن منصب الرئاسة لمجتمعات قبلية عربية، وقد أسمتهن هذه النصوص "ملكات" للعرب حسب التسمية السائدة عند الشعوب التي تنتمي إليها هذه النصوص. وهكذا نسمع في القرآن الكريم وفي التوراة عن معاملات في القرن العاشر ق. م. بين سليمان ملك اليهودية "٩٧١-٩٣٧ق. م" وبين ملكة سبأ، التي أصبح من المرجح أنها لم تكن ملكة دولة سبأ الموجودة في جنوبي شبه الجزيرة، وإنما رئيسة مستوطنة سبئية شكلتها مجموعة قبائل جنوبية هاجرت واستقرت في شمالي شبه الجزيرة. وفي القرن الثامن ق. م. نسمع في النقوش الآشورية عن احتكاكات سياسية وعسكرية بين الملك الآشورية تجلات بيليسر الثالث


١٥ الأبيات في شيخو والبستاني: المجاني، ص٢٩٣، أبيات ٦-٨.

<<  <   >  >>