شبه الجزيرة في العصر السابق للإسلام، وكان هذا الصراع يصل في بعض الأحيان إلى فترات من العداء الصريح الذي يستمر عقودًا بأكملها بين توتر أو مناوشات أو غارات كثيفة متبادلة حفظ التراث العربي لنا عددًا من مواقعها وهي التي تسمى أيام العرب٢٥. ولكن من الجانب الآخر فإن كلًّا من هذين العاملين كان أمرًا حيويًّا بالنسبة للقبيلة حتى لا يذوب كيانها في مجال العلاقات بين القبائل في ظل الظروف القاسية التي سادت مجتمع البادية في شبه الجزيرة، فالعصبية التي تنتج عن تصور حقيقي أو مفترض لرابطة القرابة أو الدم كانت وسيلة التكتل الأساسية بين أفراد القبيلة في غياب أية وسائل أخرى ثابتة لإشاعة هذا التكتل. وهي وسيلة تجمع بين هؤلاء الأفراد بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى المطروحة مثل اعتبارات الحق والباطل أو الظلم والعدل، بحيث يصبح هذا التكتل هو القيمة الأولى في حياة القبيلة التي كثيرًا ما كان يدفعها السعي وراء الكلأ إلى التنقل، وهو ظرف قد يؤدي إلى التشتت ومن ثم الاندثار كوحدة اجتماعية، أو إلى التصارع مع قبائل أخرى في سبيل الحصول على هذا الكلأ أو على عين ماء إذا أدخلنا في اعتبارنا قلة الماء في شبه الجزيرة إلى درجة الندرة في بعض الأحيان, وهنا مرة أخرى يبدو التكتل كعامل حيوي في ظل هذا الصراع. ونحن نجد الحديث عن هذه العصبية واردًا في أغلب ما وصل إلينا من الشعر الجاهلي، سواء أكان في الفخر بالقبيلة إلى درجة المبالغة، أم في هجاء قبيلة أو قبائل أخرى إلى درجة المبالغة كذلك.
٢٥ عن عرض شامل لأيام العرب راجع، جورجي زيدان: العرب قبل الإسلام "مراجعة وتعليق حسين مؤنس"، طبعة دار الهلال, القاهرة صفحات ٢٥٤-٢٧٤. عن عرض بعض هذه الأيام راجع، عمر فروخ: تاريخ الجاهلية، صفحات ٧٧-٨٦، السيد عبد العزيز سالم: تاريخ العرب في العصر الجاهلي، صفحات ٤٢٦-٤٤٣، سعد زغلول عبد الحميد: في تاريخ العرب قبل الإسلام، صفحات ٣١١-٣١٨.