كذلك يذكر لنا المؤرخ اليوناني هيرودوتوس٢٦ أن القبيلة قد تلجأ في سبيل تقوية هذه العصبية إلى ما يمكن أن نسميه المؤاخاة بين شخص من داخل القبيلة وآخر من خارجها وذلك بأن يتقاسم هذا الأخير طعامًا مع ابن القبيلة, أو يمص قطرات من جرح يحدثه في جسمه, وهكذا يصبح هذا الشخص الغريب عن القبيلة ابنًا متبنًّى لهذه القبيلة. ولنا أن نتصور أن مثل هذا الشخص يكون مرغوبًا في تبنيه بسبب غزوة له أو بأس يتصف به، ولكن الأمر يظل على أي الأحوال طريقة من الطرق التي تلجأ إليها القبيلة لتقوية عصبيتها. ومن ثَمَّ يصبح هذا التصرف مؤشرًا نحو التماسك.
أما الثأر فهو نتاج طبيعي للعصبية وامتداد لها ويكمل نفس المهمة وهي الحفاظ على كيان القبيلة عن طريق مقابلة الاعتداء عليها باعتداء يهدف القائمون به إلى أن يكون رادعًا، ونحن نرى في هذا الصدد فكرة الثأر وقد أصبحت أحد واجبات سيد القبيلة كما يظهر، على سبيل المثال، من موقف أحد رؤساء القبائل، وهو عامر بن الطفيل "سيد بني عامر الذي سبقت الإشارة إليه" همًّا لا يستطيع أن يستريح قبل أن يقوم به رغم ما قد يسببه له ذلك في بعض الأحيان من حرج أو ألم.
تقوم ابنة العمريّ: ما لك، بعدما ... أراك صحيحًا، كالسليم المعذب؟
فقلت لها: همي الذي تعلمينه ... من الثأر في حيي زبيد وأرحب
إن أغْزُ زبيدًا أغْزُ قومًا أعزة ... مركبهم في الحي خير مركب
وإن أغز حيي خثعم، فدماؤهم ... شفاء، وخير الثأر للمتأوب
ثم يمضي ليفخر بتأديته لواجبه في طلب الثأر بكل ما يرى أنه:
سلاح امرئ قد يعلم الناس أنه ... طلوب لثارات الرجال مطلَّب