للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولنا أن نصدق ما رواه هذان الكاتبان فأولهما كان صديقا شخصيا لقائد الحملة الرومانية على بلاد اليمن وقد كان حريصًا أن يستفسر من الجنود الرومان الذين اشتركوا في الحملة عما شهدوه في المنطقة، والثاني وهو بلينيوس يذكرنا في أكثر من موضع بأنه يحصل على معلوماته من التجار الرومان واليونان الذين يتعاملون مع سكان هذه المناطق. كما نجد تأييدًا لهذه النزعة نحو الملكية الجماعية في عدد من النقوش العربية الجنوبية التي يشير بعضها إلى جمعيات زراعية من نوع الجمعيات التعاونية التي نعرفها في الوقت الحاضر. وقد أسلفت الإشارة إلى واحدة من هذه الجمعيات كان لها مجلس إدارة مكون من ثمانية أشخاص يقومون على إدارة هذه "المؤسسة الزراعية" حسبما سماها باحث معاصر، والإشراف على العمل بها من تهيئة البذور ودفع الحصص أو الضرائب الواجب دفعها للحكومة أو للمعبد، ومن خزن وتسويق وبيع٣٠.

ومثل هذا الاتجاه نحو الجماعية في الامتلاك أو إدارة الأملاك أو الانتفاع بنتاجها، رغم أنها ممارسة اقتصادية إلا أن انعكاساتها الاجتماعية تؤدي إلى التماسك بين شرائح كبيرة وكثيرة في هذا المجتمع الذي مُورست فيه الزراعة أو الانتفاع بغابات الطيوب أو الاتحاد في محصولها على نطاق واسع. ولعل إشارة أخيرة، في هذا الصدد قدمها لنا الكاتب الجغرافي والتاريخي سترابون تعطينا، في ختام الحديث عن هذه النقطة مدى تأثير هذه النزعة الجماعية حتى على التصورات أو الاعتبارات المتصلة بروابط الأسرة، إذ يذكر لنا هذا الكاتب أن "الإخوة كانوا يوضعون في منزلة أكثر تقديرًا من الأبناء"٣١. ونحن إذا تمعَّنَّا في هذه العبارة التي تجعل الإخوة مقدمين على الأبناء وجدناها تشير بشكل واضح إلى تجاوز التكتل داخل الأسرة الواحدة


٣٠ نص halevy: ١٤٧, راجع الباب السابق الخاص بالموارد الاقتصادية وصف "المؤسسة الزراعية" في جواد علي: ذاته، ج٧، ص٢٢٤.
٣١ strabo: XVI, ٤:٢٥.

<<  <   >  >>