للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا في أبياته. والتفسير المنطقي هنا هو أن قريطًا ربما كان من طبقة العوام في قبيلته، ومن ثم لم يكن ما أصابه من أذى "سواء بالحق أو بالباطل" مدعاة لاهتمام بين أفرادها ليهبوا لمساندته، وهو يشرح لنا هذا الموقف بكل وضوح حين يقول:

لو كنت من مازن لم تستبِحْ إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

إذن لقام بنصري معشر خُشُن ... عند الحفيظة إن ذو لوثة هانا

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا

لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا

لكن قومي وإن كانوا ذوي عدد ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا٣٣

كذلك فقد كان العرف المتبع في القبيلة يضع حواجز بين بعض فئاتها، فالعبيد الذين حرروا لا يصبحون أبناء للقبيلة وإنما يتحولون إلى موالٍ أو أتباع مهما قدموا من خدمات. والتصنيف ذاته ينطبق على أي غريب يلجأ للقبيلة لسبب أو لآخر ويطلب أن تحميه وأن يعيش في كنفها٣٤. إنه هو الآخر يصبح من طبقة الموالي الذين لا يرقون إلى مرتبة أبناء القبيلة مهما تفانى في تأدية دوره في خدمة مصالحها والذود عن هذه المصالح. وهكذا تتكون بالتدريج داخل كل قبيلة فئة أو طبقة لا تشعر بالانتماء الكامل لها ويمكن أن تصبح عنصر انقسام بدلًا من أن تكون عنصر تماسك. والشيء ذاته نجده، في صورة أخرى في حالة الخلعاء، أي: أفراد القبيلة الذين تخلعهم القبيلة لتصرف أتوه ولم ترضَ القبيلة عنه. إن القبيلة تعلن على لسان سيدها أو شيخها أنها غير مسئولة عن تصرفاته؛ وبالتدريج تتكون مجموعة من المنبوذين عن المجتمع القبلي تشكل بدورها عنصرًا من عناصر الانقسام. هذا إلى وجود طبقة من المدقعين


٣٣ "ديوان الحماسة, مختارات أبي تمام"، طبعة الرافعي، القاهرة, أولى قصائد الديوان.
٣٤ hitti: ذاته ص٢٧.

<<  <   >  >>