أو المعدمين من أفراد القبائل, كان فقرهم يدفع بهم إلى الحصول على رزقهم بكافة الطرق دون مراعاة لعرف القبيلة وتقاليدها، وهؤلاء هم صعاليك العرب الذين كان ينتهي بهم الأمر إلى الخروج على القبيلة والخروج من أرضها، لتتضخم بذلك طبقة غير المنتمين على اختلاف فئاتهم.
بل أكثر من هذا فإنه حتى في حالة المنتمين من أفراد القبيلة، فإنهم رغم المساواة المفترضة بينهم، لم يكونوا كلهم سواء فعلًا، ولم يكونوا كلهم راضين عن معاملة القبيلة لهم. ولقد مر بنا أنه حتى في حالة الكلأ الذي كان مشاعًا بين جميع أفراد القبيلة، كانت هناك أحماء يتمتع بها أفراد بعينهم إلى جانب تمتعهم بميزات الكلأ العام٣٥. وهو نوع من التمييز كان لا بد أن يشكل خطًّا، مهما كان باهتًا، يقسم القبيلة إلى طبقة من المتميزين وطبقة ممن لا يحظون بهذا الموقع المتميز.
ونحن نلمس هذا الانقسام الطبقي بين سكان شبه الجزيرة في أكثر من شاهد. فالكاتب اليوناني أرتميدوروس يذكر لنا في مجال حديثه عن السبئيين أن "الملك ومن حوله يعيشون في بذح أنثوي"، كما سبق أن رأيناه يتحدث عن الطبقة الثرية من السبئيين والجرهائيين ليذكر أنهم يقتنون الأدوات المصنوعة من الذهب والفضة ويسكنون بيوتًا طعمت أبوابها وجدرانها وسقوفها بالعاج والذهب والفضة ورصعت بالأحجار النفيسة. هذا، إلى ما سبقت الإشارة إليه من امتلاك طبقة محددة تتكون من ٣٠٠٠ أسرة لكل أشجار الطيوب في العربية الجنوبية، ولحق التجارة في هذه الطيوب دون غيرهم. وأضيف هنا إلى هذا أن الوظائف في الدولة كانت قاصرة على أولاد الملوك، فإذا أدخلنا في اعتبارنا ما سبقت الإشارة إليه من أن منصب الملك كان بالتناوب بين أفراد الطبقة الأرستقراطية، كان معنى هذا أن وظائف الدولة هي الأخرى كانت