للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكرًا على هذه الطبقة. وفي القرن السابع الميلادي نجد الظاهرة لا تزال موجودة، فالقرآن الكريم يتحدث عن فئة من المجتمع تكسب {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ} وعن {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} مشيرا بذلك إلى وجود طبقة أخرى من المعوزين لا تعود عليهم هذه الثروة بأي نفع يخفف من ضائقتهم, كما يسمي على الأقل واحدا من أثرياء مكة الذين جمعوا قدرا كبيرا من المال، وهو أبو لهب، ملمحًا إلى موقفه الطبقي المتعنت اعتمادا على ثروته٣٦.

كذلك نجد، في الجانب الآخر، تقسيمًا في مجتمع العربية الجنوبية في أواخر القرن الأول ق. م. وأوائل القرن الأول الميلادي، يصنف هذا المجتمع إلى فئات لها طابع طبقي؛ إلى فلاحين وحرفيين وعاملين في جمع المر واللبان، وهو تصنيف مانع لا يتغير من الآباء إلى الأجداد ولا يمكن أن يغير فيه أحد الأفراد مهنته لينتقل من فئة إلى فئة، ومن ثم فهو يكرس الطبقية في صورة حادة ومستمرة في الوقت ذاته. وقد زاد من حدة الوضع الطبقي أن طبقة أصحاب الحرف أو من كانوا يعملون بالأجر كان ينظر إليهم، كما مر بنا، على أنهم يمارسون عملا متدنيا، رغم حاجة المجتمع إليهم. أما في أوائل القرن السادس الميلادي فنحن نجد الشنفرى، أحد صعاليك العرب, يصف لنا حياة الجوع التي كان يمارسها والتي وصل من حدتها أنه كان يماطل الجوع ويستفُّ التراب حتى لا تظهر عليه آثاره فيشمت فيه أفراد الطبقة الأخرى، وهو وصف لا أرى فيه مبالغة إذا أدخلنا في اعتبارنا أن الشاعر


٣٦ بذخ الملك ومن حوله في أرتميدوروس، منقول في سترابون strabo: XVI, ٤: ١٩ عن بذخ السبئيين والجرهائيين. راجع الباب الثامن عن الموارد الاقتصادية في هذه الدراسة. إشارات القرآن الكريم إلى أصحاب الثروة بترتيب المتن في، سورة آل عمران: ١٤، التوبة: ٣٤، تبت, أو ما بعدها.

<<  <   >  >>