للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان لا يبغي من وراء شعره استعطافًا لأحد وأنه يفخر باعتزازه الشديد رغم جوعه الشديد:

أديم مطال الجوع حتى أُميتَه ... وأضرب عنه الذكر صفحًا، فأذهل

وأستفّ ترب الأرض كي لا يُرى له ... عليّ، من الطوْل, امرؤ متطول

وأطوي على الخمص الحوايا، كما انطوت ... خيوطة ماريّ تغار وتفتل

وأغدو على القوت الزهيد، كما غدا ... أزل تهاداه القنائف، أطحل

كما نجد صعلوكًا آخر، وهو تأبط شرًّا، يعرض حياته لخطر محقق ليسرق قليلا من العسل من منحل في غار لبني هذيل، ثم يجد في احتياله حتى يفر من القتل نوعًا من الذكاء الذي يفخر به -الأمر الذي نستنتج منه مدى المعاناة التي كانت تمارسها هذه الطبقة، وبخاصة إذا عرفنا أن بني هذيل كانوا أعداء لتأبط شرًّا يتربصون به الدوائر، ومع ذلك فقد أقدم على المخاطرة في سبيل ما يسد به جوعه. فإذا وصلنا إلى القرن السابع الميلادي وجدنا القرآن الكريم يشير في شكل متواتر إلى طبقة متعددة الفئات من الذين تفصل بينهم وبين الطبقة الثرية هوة واسعة من بينهم السائلون والمساكين وأبناء السبيل واليتامى الذين يبدو أن العرف السائد في المجتمع لم يكن يضمن لهم أي نوع من الكفالة الاجتماعية، أو إذا وجدت هذه الكفالة الاجتماعية افتراضًا، كان المجتمع متهاونًا في الوسائل التي تمكن من وضعها موضع التنفيذ الفعلي٣٧.


٣٧ تقسيم المهن في strabo: XVI, ٤:٢٥، قارن كذلك أرتميدوس في سترابون، ذاته XVI, ٤:٩٢ حيث يذكر أن العامة يعملون في الزراعة ونقل الطيوب. الاستعلاء على أصحاب، عن الاستعلاء الطبقي على الذين يعملون في الحرف راجع الباب الثامن الخاص بالموارد الاقتصادية في هذه الدراسة. أبيات الشنفرى في شيخو والبستاني: المجاني، ص٧، أبيات ٢١-٢٢، ٢٥-٢٦. أبيات تأبط شرا في ذاته: ص١١، أبيات ١-٩.

<<  <   >  >>