للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ظهرت آثار هذا التقسيم الطبقي الحاد، سواء أكان بموجب قوانين رسمية، أم كان نتيجة للممارسة الفعلية للطبقات الموجودة في المجتمع، أم كان سببه تصور يؤدي إلى نظرة استعلائية إزاء إحدى الفئات أو الطبقات وكانت محصلة هذه الآثار المترتبة على التقسيم الطبقي وجود طبقة متضررة تعبر عن معارضتها للأوضاع القائمة بأكثر من وسيلة. ففي العربية الجنوبية نسمع من النقوش التي عثر عليها المنقبون الأثريون عن جماعات من المزارعين تهرب من الأرض وتلجأ إلى المدن بكل ما يترتب على هذا من إلحاق الأذى بالزراعة وبالمحاصيل، وذلك رغم تشديد الحكومات على منع الهجرة وترك المزارع دون موافقة أصحاب الأرض. كذلك نجد القرآن الكريم يعطينا صورة للمعارضة التي كانت قائمة ضد الأوضاع السائدة في مجتمعات شبه الجزيرة في عصور ما قبل الإسلام والتي كانت تتبلور كلما ظهر أحد الرسل والأنبياء بدعوة تستهدف إصلاح أحوال المجتمع وكان صوت هذه المعارضة يبدو واضحا ومحددا في الانحياز إلى جانب أصحاب هذه الدعوات وفيما كان يثور بينهم وبين الطبقة المسيطرة على أمور المجتمع من محاجَّات ومجادلات. وأخيرًا فقد كانت هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو وأتباعه من مكة إلى المدينة دليلا واضحا على مدى الانقسام المذكور ومدى التعنت الطبقي الذي كان يسود مجتمع شبه الجزيرة في الوقت الذي ظهرت فيه الدعوة الإسلامية٣٨.


٣٨ النقوش الخاصة بهرب المزارعين في RES, ٤٦٤٦, HALEVY, ١٤٧. عن إشارات القرآن الكريم إلى معارضة الأوضاع الطبقية السائدة راجع: صفحات ١٧٢-١٧٣ وحاشية ١٧ في الباب الخامس من هذه الدراسة.

<<  <   >  >>