للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسيحية واليهودية ثم الحنيفية التي كانت نوعًا من عقائد التوحيد التي تبتعد عن تفصيلات هاتين الديانتين لتتبع خطوطًا رئيسة بسيطة ظهرت في عقيدة إبراهيم -عليه السلام- وهنا كذلك نجد أن هذه الأديان الثلاث تجاوزت مع مراحل أخرى من مراحل التطور الديني في عدد من أقسام شبه الجزيرة. ففي العربية الجنوبية تجاورت المسيحية واليهودية مع مرحلة عبادة الكواكب وأصبحت اليهودية في عهد "ذو نواس" "الربع الأول من القرن السادس الميلادي" عقيدة رسمية يدين بها الحاكم. وفي إمارة اللخميين تجاورت المسيحية عند الشعب مع الوثنية عند الأسرة الحاكمة التي لم تشذ عنها إلا في حالة حاكم واحد هو النعمان الثالث أبو قابوس "حوالي ٥٨٠-٦٠٢م" الذي اعتنق المسيحية. وفي الحجاز تجاورت العقائد التوحيدية الثلاثة مع المراحل الأولى للتطور الديني حيث عبادة الأحجار والأشجار وتقديس الكهوف والينابيع، وحيث عبادة الكواكب التي كانت قد تحولت إليها في صورة من الصور عبادات اللات والعزى ومناة في الفترة الأخيرة قبل الإسلام، وفي إمارة الغساسنة، كانت الأسرة الحاكمة والرعية قد تحولت إلى المسيحية بعد ظهور هذه الأسرة في عصر الإمبراطورية البيزنطية.

أما الظاهرة الثانية التي نلاحظها على تطور العقائد الدينية في شبه الجزيرة في عصر ما قبل الإسلام، فهي تخص انتشار العقائد التي وجدت في المنطقة. وفي هذا المجال نلمس عددا من التأثيرات الدينية التي تعرضت لها المنطقة والتي أتت من المناطق المجاورة لها، وهي ظاهرة لا تبدو غريبة في العصور القديمة التي عرفت هجرة العقائد الدينية أو التأثيرات والأساطير المرتبطة بها من منطقة إلى منطقة أخرى, "إذ كانت هجرة العقائد الدينية أو انتشار تأثيراتها تقابل انتقال العقائد السياسية وتأثيراتها في العصر الحاضر من منطقة إلى مناطق أخرى" كما حدث في انتقال الأساطير المتصلة بعشتار وتموز "إنانّا ودموزي" من وادي الرافدين لتظهر في أساطير برسيفوني وأدونيس في العقائد الدينية اليونانية،

<<  <   >  >>