للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في ٧٠م. ولكن مع ذلك فهناك دليلان يشيران إلى أن هذا الانتشار لم يكن يشكل هجرة عبرانية واسعة إلى المنطقة بقدر ما كان يشكل تأثيرا دينيا يهوديا عرف طريقه إليها بطريقة ما رغم الطبيعة العنصرية المتقوقعة المعروفة عن هذه الديانة, أحدهما: هي أن أغلب الأسماء التي وصلت إلينا عن يهود شبه الجزيرة العربية ليست أسماء عبرانية، وإنما أسماء عربية أو آرامية لأشخاص يبدو أنهم اتخذوا اليهودية دينًا لهم لسبب أو لآخر٤٦.

والدليل الآخر هو أن الشاعر الوحيد من بين عدد من الشعراء اليهود الذين تحدث الكتاب العرب عن وجودهم في شبه الجزيرة العربية، والذي ترك لنا قدرا من الشعر يصلح أن يكون ديوانا، وهو السموأل بن عادياء الذي يبدو أنه كان أحد أثرياء تيماء، لا نجد في شعره ما يجعله يختلف في تصوراته أو منطلقات هذه التصرفات عن تصورات العرب الوثنيين ومنطلقاتها٤٧. الأمر الذي يجعلنا نشك في أنه كان عبرانيًّا، بقدر ما يوحي بأنه كان عربيًّا اتخذ الديانة اليهودية في عمومها التي كانت تهمه "وربما فعل ذلك هو وغيره" حين وجد أن قيم الحياة الوثنية الشائعة في شبه الجزيرة لم تعد تغطي القيم الاجتماعية أو الروحية التي كان يحس بحاجته إليها.

أما عن اليهودية في اليمن خاصة, فأرجح أنها انتشرت هناك للسبب نفسه إلى جانب سبب آخر هو ما وصل إليه رجال الدين في العربية الجنوبية من سطوة تحولوا معها إلى طبقة لها امتيازاتها الواسعة التي كانت تزحف على سلطات الملك ذاته في بعض الأحيان كما رأينا، على سبيل المثال، في حالة المملكة السبئية الثانية حين انتزع رجال الدين الصلاحيات الدينية من سلطان الملك. وقد كانت هذه السطوة التي تمتع بها رجال الدين تساند الطبقة الأرستقراطية


٤٦ hitti: ذاته، ص٦١.
٤٧ ذاته، المرجع ذاته، ص١٠٧.

<<  <   >  >>