الكعبة في عام الفيل المشهور, على أساس أن الكعبة كانت تمثل المركز الأول للعبادات الوثنية في شبه الجزيرة ومن ثم فهناك خطر من جانبها على انتشار أي نفوذ مسيحي يمهد الطريق لنفوذ حبشي في الحجاز بكل ما يعنيه هذا من سيطرة حبشية على طرق التجارة التي كانت مكة هي معقدها كما مر بنا٥٧.
والشيء ذاته نجده في تفاصيل مختلفة في علاقات الإمبراطورية البيزنطية بإمارة الغساسنة والإمبراطورية الساسانية "الفارسية" باللخميين "المناذرة". ففي حالة الغساسنة نجد أن حكام هذه الإمارة يتبنون المذهب المسيحي المونوفيزي "مذهب الطبيعة الواحدة" وهو مذهب مخالف للمذهب السائد في القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. وقد قبل الأباطرة البيزنطيون هذا الوضع على شيء من المضض تمشيًا مع قبول الأمر الواقع طالما ظل انتفاعهم مستمرًّا بولاء الغساسنة في مجال التصدي لأية تحرشات من جانب الإمبراطورية الفارسية أو من جانب أمراء الحيرة الداخلية في نفوذها. ولكن حين بدأ حماس الغساسة لتدعيم مذهبهم الديني المسيحي يظهر بشكل متواتر وملحوظ منذ عهد الحارث "الثاني" بن جبلة "حوالي ٥٢٩-٥٦٩م" بدأت الشكوك تساور البيزنطيين, وهكذا أمر الإمبراطور البيزنطي تيبريوس الثاني tiberius II بالقبض على المنذر بن الحارث الذي خلفه على الإمارة في أثناء افتتاحه لكنيسة في "حوارين" بين دمشق وتدمر حوالي ٥٨٠م، وذلك رغم ما قام به هذا الأمير الغساني من تصدٍّ للأمراء اللخميين وصل إلى حد إحراقهم للحيرة، عاصمتهم, قبل ذلك بقليل في السنة ذاتها، وقد اقتيد المنذر إلى القسطنطينية، ثم سجن في صقلية.
أما في حالة اللخميين من أمراء الحيرة، فنحن نجدهم لا يعتنقون المسيحية ويبقون على وثنيتهم رغم انتشار المسيحية في مجتمع الحيرة ورغم أن إحدى
٥٧ يجد القارئ عرضًا موجزًا لهذه الأحداث الموجودة في الفقرات التالية في، hitti: ذاته، صفحات، ٦٢، ٦٤، ٧٩-٨٠، ٨٣.