ويبدو واضحا أن هذه الأوضاع الاجتماعية كانت متداخلة إلى حد كبير مع الأوضاع الدينية السائدة ومستندة إليها ومتساندة معها لإبقاء الأمور على ما كانت عليه بحيث انتهت الدعوات الدينية المذكورة إلى الإخفاق. والصراع ذاته نجده في حالة الدعوة الإسلامية حيث نجد رسولها محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه يتعرضون لشيء مماثل من الجدل العنيف ومن التضييق والاضطهاد الذي وصل إلى محاولة التصفية الجسدية لصاحب الدعوة. ولا شك أن جانبًا من نجاح الدعوة الإسلامية، يرجع إلى مقابلة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للخطط بخطط مثلها وتصديه للقوة بقوة مثلها، ومن بين ذلك هجرته هو وأتباعه من مكة إلى يثرب "المدينة المنورة" حيث وجد أنصارًا يتصدون معه لقريش, ومنها تصديه هو وأتباعه لقريش في عدد من الغزوات عند المواقع التي تقطع على القرشيين طرقهم التجارية, ومنها نجاحه في مهادنتهم عند اللزوم في صلح الحديبية ومنها فتحه لمكة التي كانت معقد الخطوط التجارية بين وادي الرافدين من جهة وبين سورية واليمن من جهة أخرى. ولكن بقيت فكرة التصدي للدعوة الدينية التي كانت تستهدف تغيير النظم الداخلية في المجتمع هي الفكرة المسيطرة على مسار الأمور طوال وقت الدعوة وحتى نجاحها "وقد كانت حرب الردة التي نشبت بعد موت الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي دون شك انتفاضة أخيرة للتصدي للدعوة الدينية الجديدة حتى بعد نجاحها".
ونحن نجد أمثلة أخرى لهذا العنف الذي واكب التغيرات الدينية في شبه الجزيرة العربية في الفترة السابقة لظهور الإسلام. ففي ٥٢٣م نجد "ذو نواس" الحاكم الحميري اليهودي يتصدى للمسيحيين في نجران ويقدم على إحراق عدد كبير منهم في حادثة الأخدود التي ورد ذكرها في القرآن الكريم, لسبب ربما كان مرتبطا بالسياسة الوطنية ضد التدخل الحبشي في المنطقة ومن ثم اعتبر ذو نواس المسيحيين من نفس عقيدة الأحباش أو خشي أن ينحازوا إليهم. وبعد ذلك بحوالي نصف قرن، في ٥٧٠ أو ٥٧١م نجد محاولة من الحبشة لهدم