محاولة من ملكة السبئيين لإقامة علاقات ودية مع هذا الملك تجاوزًا أو تخطيًّا لعلاقات يبدو من هذه النصوص أنها كانت على شيء من التوتر أو التأزم ومن ثم فهناك مصالح متعارضة لكلا الطرفين، وتحاول ملكة سبأ أن تخفف من حدة هذا التعارض الذي يضرب بمصلحة مملكتها. وقد رأينا في مناسبة سابقة أن مثل هذا التعارض لا يمكن أن يكون مفهومًا إذا كانت سبأ المقصودة هي مملكة سبأ الموجودة في القسم الجنوبي لشبه الجزيرة العربية. إذ في مثل هذه الحال لا توجد حدود مشتركة أو مصالح مهددة أو ضغوط سياسية أو غيرها، وإنما تصبح كل هذه الأمور أو بعضها واردة إذا كان بين المملكتين نوع من التجاور أو الاقتراب يجعل توتر العلاقات لسبب أو لآخر أمرا واردا. ونحن نجد في الواقع مدينة في الشمال تحمل اسم سبأ كلك ويرد ذكرها في النصوص الآشورية على أنها واقعة في أقصى الغرب بالنسبة للآشوريين، أي على حدود المنطقة السورية "بالمفهوم الجغرافي لهذه التسمية" ومن ثم تكون على حدود أو قرب حدود مملكة العبرانيين التي كان يتربع سليمان على عرشها. وقد قامت هذه المدينة ونمت حول واحدة أو أكثر من المستوطنات التي أقامها في شمالي شبه الجزيرة التجار السبئيون الجنوبيون شأنهم في ذلك شأن المعينيين، على سبيل المثال، الذين فعلوا شيئًا مماثلًا في الشمال٦.
سبأ المذكورة إذن, هي سبأ الشمالية والقضية المطروحة هي قضية تعارض بين المصالح. فإذا أدخلنا في اعتبارنا أن سبأ مدينة تجارية تحصل على موردها الاقتصادي الرئيسي من تحكمها في أحد المواقع التي يمر بها الخط التجاري الذي تمر به القوافل المحملة بالطيوب وغيرها من السلع الآتية من جنوبي شبه الجزيرة ومتجهة إلى موانئ البحر المتوسط في الشمال، أصبح من الطبيعي أن
٦ العلاقة بين سبأ وسليمان، في القرآن الكريم: سورة النمل: ٢٢-٢٣ و٢٨-٤٤. التوراة: سفر أخبار الأيام الثاني، إصحاح ٩: ١ وما بعدها عن سبأ الشمالية نص في ANET ص٢٣٨.