للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نستنتج أن نقطة التعارض بين مصالح المملكتين المتجاورتين هي نقطة مصالح تجارية مهددة بطريقة أو بأخرى. ونحن نجد في الواقع في سياسة الملك سليمان ما يؤدي إلى وجود هذا التعارض. لقد أراد هذا الملك أن يتبع سياسة اقتصادية يحول بها مملكته من الزراعة إلى الصناعة بما يستتبعه هذا من مواد أولية يحصل عليها من أسواق خارجية. كما أراد أن يدعم هذا الاتجاه الاقتصادي بانتهاج نشاط تجاري بحري لا يجعله تحت رحمة الخط البري التجاري القادم من الجنوب وإنما يترك له حرية الحركة المباشرة مع الأسواق التي يريد أن يتاجر معها. ونحن نجد في نصوص التوراة إشارة واضحة إلى هذا الاتجاه حين نعرف أنه اتخذ ميناء عصيون جابر "بجوار ميناء أيلة" على رأس خليج العقبة مرفأ أساسيا يبتدئ منه أو ينتهي إليه هذا النشاط التجاري، وحين نجده يلجأ إلى الملك حيرام، ملك صور، بالعمال والبحارة لبناء أسطول تجاري ولتسيير هذا الأسطول التجاري في البحر الأحمر، وحين نعرف كذلك، أنه وصل بنشاطه التجاري البحري هذا إلى "أوفير" التي يرجح أنها كانت ميناء على الشواطيء الشرقية لشبه الجزيرة العربية، إن لم يكن, حسب رأي بعض الباحثين، إحدى الموانئ الهندية. بل أكثر من هذا نجد هذا الملك يحاول إغراء حيرام ملك صور باستخدام هذا الخط التجاري البحري الجديد بدلًا من طريق مصر للاتجار مع بلاد العرب, في محاولة يبدو واضحًا أنها كانت تستهدف تنشيط هذه الطريق البحرية التجارية على حساب أية طرق أخرى في المنطقة٧. ومثل هذا الاتجاه من جانب سليمان كان كفيلًا أن يؤثر تأثيرا ضارا على موقع تجاري مثل الموقع الذي تحتله مملكة سبأ الشمالية، ومن هنا تثور مخاوف ملكة السبئيين التي كان هذا الموقع التجاري هو المورد الاقتصادي


٧ عن سياسة سليمان البحرية انظر التوراة: سفر الملوك الثالث, إصحاح ٩: ٢٦-٢٧. عن محاولة إغرائه لحيرام بترك طريق مصر راجع: نجيب ميخائيل إبراهيم: مصر والشرق الأدنى القديم، ج٣، سورية، ص٢٣١ عن أوفير، التوراة: أخبار الأيام الثاني، إصحاح ٩: ١، راجع مناقشة مكانها في الباب الثامن الخاص بالموارد الاقتصادية في هذه الدراسة.

<<  <   >  >>