للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الجانب الثالث الذي يدعم من مغزى هذا الظهور السياسي والعسكري من جانب العرب في العلاقات الدولية في المنطقة فنستطيع أن ندركه إذا تذكرنا أن تجمعا عربيا مماثلا "ولعله كان نفس التجمع أو تجمعا مجاورا له أو متداخلا معه" قد تحالف مع الفلسطينيين في نفس الفترة لاجتياح مملكة يهوذا "أو يهودية" على عهد الملك العبري يهورام "٨٥١-٨٤٣ ق. م." وإذا أدخلنا في اعتبارنا أن هذا التحالف قد تم لأسباب اقتصادية تدور حول مرور الخطوط البرية التجارية في أراضي هذه القبائل العربية١٢. ومعنى هذا أن هذه القبائل كانت لها مصلحة حيوية في تحديد مواقفها إزاء الأحداث والعلاقات التي كانت تدور في المنطقة آنذاك.

وقد استمرت الحملات التي قام بها الآشوريون على المنطقة طوال العصر الآشوري الذي انتهى بسقوط الدولة الآشورية في ٦١٢ ق. م. وكان قسم أساسي من هذه الحملات موجهًا إلى التجمعات العربية التي يبدو من النصوص الآشورية أنها لم تكن سهلة المراس، الأمر الذي يشير إلى إدراكها المحدد لمصالحها التجارية في المنطقة وإلى اتساع هذه المصالح بما يدفعها إلى اتخاذ المواقف كلما شعرت بتحرك قد يؤدي إلى تهديد هذه المصالح. وتشير هذه النصوص إلى تطورين يمثلان مرحلتين جديدتين في العلاقات الآشورية العربية "بعد المرحلة التي يمثلها نص شلمنصر الثالث الذي ظهر فيه جندبو الزعيم العربي" تتخذ خلالهما هذه العلاقات أبعادا أكثر حدة وأكثر تكثيفا.

وأولى هاتين المرحلتين الجديدتين نجد فيها أن الملوك الآشوريين لم يقتصروا في معالجتهم للتجمعات العربية على الحملات العسكرية وإنما بدءوا يتجهون، إلى جانب ذلك، إلى سياسة يمكن أن نسميها سياسة الاحتواء السياسي من الداخل، عن طريق التدخل في تنصيب الزعماء العرب الذين يثقون في ولائهم


١٢ راجع أعلاه في هذا الباب.

<<  <   >  >>